تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٨١
المذكور في أول سورة الكهف نوعا من أنواع ما ذكره في أول الفاتحة.
وثالثها: سورة سبأ، وهو قوله: * (الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض) * فبين في أول سورة الأنعام أن السماوات والأرض له، وبين في أول سورة سبأ أن الأشياء الحاصلة في السماوات والأرض له، وهذا أيضا قسم من الأقسام الداخلة تحت قوله: * (الحمد لله رب العالمين) *.
ورابعها: قوله: * (الحمد لله فاطر السماوات والأرض) * (فاطر: 1) والمذكور في أول سورة الأنعام كونه خالقها لها، والخلق هو التقدير، والمذكور في هذه السورة كونه فاطرا لها ومحدثا لذواتها، وهذا غير الأول إلا أنه أيضا قسم من الأقسام الداخلة تحت قوله: * (الحمد لله رب العالمين) *.
ثم إنه تعالى لما ذكر في سورة الأنعام كونه خالقا للسموات والأرض ذكر كونه جاعلا للظلمات والنور، أما في سورة الملائكة فلما ذكر كونه فاطر السماوات والأرض ذكر كونه جاعلا الملائكة رسلا، ففي سورة الأنعام ذكر بعد تخليق السماوات والأرض جعل الأنوار والظلمات وذكر في سورة الملائكة بعد كونه فاطر السماوات والأرض جعل الروحانيات، وهذه أسرار عجيبة ولطائف عالية إلا أنها بأسرها تجري مجرى الأنواع الداخلة تحت البحر الأعظم المذكور في قوله: * (الحمد لله رب العالمين) * فهذا هو التنبيه على أن قوله: * (رب العالمين) * يجري مجرى ذكر الدليل على وجود الإله القديم.
المسألة الثانية: أن هذه الكلمة كما دلت على وجود الإله فهي أيضا مشتملة على الدلالة على كونه متعاليا في ذاته عن المكان والحيز والجهة، لأنا بينا أن لفظ العالمين يتناول كل موجود سوى الله ومن جملة ما سوى الله المكان والزمان، فالمكان عبارة عن الفضاء والحيز والفراغ الممتد، والزمان عبارة عن المدة التي يحصل بسببها القبلية والبعدية، فقوله: * (رب العالمين) * يدل على كونه ربا للمكان والزمان وخالقا لهما وموجدا لهما، ثم من المعلوم أن الخالق لا بد وأن يكون سابقا وجوده على وجود المخلوق، ومتى كان الأمر كذلك كانت ذاته موجودة قبل حصول الفضاء والفراغ والحيز، متعالية عن الجهة والحيز، فلو حصلت ذاته بعد حصول الفضاء في جزء من أجزاء الفضاء لانقلبت حقيقة ذاته، وذلك محال، فقوله: * (رب العالمين) * يدل على تنزيه ذاته عن المكان والجهة بهذا الاعتبار.
المسألة الثالثة: هذه اللفظة تدل على أن ذاته منزهة عن الحلول في المحل كما تقول النصارى والحلولية؛ لأنه لما كان ربا للعالمين كان خالقا لكل ما سواه، والخالق سابق على المخلوق، فكانت ذاته موجودة قبل كل محل، فكانت ذاته غنية عن كل محل، فبعد وجود المحل امتنع احتياجه إلى المحل.
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»