تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٤٥
وحملوا لفظ العلي على العلو في المكان والجهة، وأما أهل التنزيه والتقديس فإنهم حملوا العظيم والكبير على وجوه لا تفيد الجسمية والمقدار: فأحدها: أنه عظيم بحسب مدة الوجود، وذلك لأنه أزلي أبدي، وذلك هو نهاية العظمة والكبرياء في الوجود والبقاء والدوام، وثانيها: أنه عظيم في العلم والعمل، وثالثها: أنه عظيم في الرحمة والحكمة، ورابعها: أنه عظيم في كمال القدرة، وأما العلو فأهل التنزيه يحملون هذا اللفظ على كونه منزها عن صفات النقائص والحاجات.
إذا عرفت هذا فلفظ العظيم والكبير عند المشبهة من أسماء الذات، وعند أهل التوحيد من أسماء الصفات، وأما لفظ العلي فعند الكل من أسماء الصفات، إلا أنه عند المشبهة يفيد الحصول في الحيز الذي هو العلو الأعلى، وعند أهل التوحيد يفيد كونه منزها عن كل ما لا يليق بالإلهية، فهذا تمام البحث في هذا الباب. الفصل التاسع في الأسماء الحاصلة لله تعالى من باب الأسماء المضمرة الأسماء المضمرة:
اعلم أن الأسماء المضمرة ثلاثة: أنا، وأنت، وهو، وأعرف الأقسام الثلاثة قولنا: " أنا لأن هذا اللفظ لفظ يشير به كل أحد إلى نفسه، وأعرف المعارف عند كل أحد نفسه، وأوسط هذه الأقسام قولنا: " أنت " لأن هذا خطاب للغير بشرط كونه حاضرا، فلأجل كونه خطابا للغير يكون دون قوله أنا، ولأجل أن الشرط فيه كون ذلك المخاطب حاضرا يكون أعلى من قوله: " هو " فثبت أن أعلى الأقسام هو قوله: " أنا " وأوسطها " أنت " وأدناها " هو " وكلمة التوحيد وردت بكل واحدة من هذه الألفاظ، أما لفظ " أنا " فقال في أول سورة النحل * (أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا) * (النحل: 2) وفي سورة طه * (إنني إنا لله لا إله إلا أنا) * (طه: 14) وأما لفظ أنت فقد جاء في قوله: * (فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت) * (الأنبياء: 87) وأما لفظ هو فقد جاء كثيرا في القرآن أولها في سورة البقرة في قوله: * (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) * (البقرة: 163) وآخرها في سورة المزمل وهو قوله: * (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا) * (المزمل: 9) وأما ورود هذه الكلمة مقرونا باسم آخر سوى هذه الأربعة فهو الذي حكاه الله تعالى عن فرعون أنه قال: * (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) * (يونس: 90) ثم بين الله تعالى أن تلك الكلمة ما قبلت منه.
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»