الحيز والمكان: فمنها " العظيم " وذلك لأن أهل التشبيه قالوا: معناه أن ذاته أعظم في الحجمية والمقدار من العرش ومن كل ما تحت العرش، ومنها " الكبير " وما يشتق منه، وهو لفظ " الأكبر " ولفظ " الكبرياء " ولفظ " المتكبر ".
واعلم أني ما رأيت أحدا من المحققين بين الفرق بينهما، إلا أن الفرق حاصل في التحقيق من وجوه: الأول: أنه جاء في الأخبار الإلهية أنه تعالى يقول: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فجعل الكبرياء قائما مقام الرداء، والعظمة قائمة مقام الإزار. ومعلوم أن الرداء أرفع درجة من الإزار، فوجب أن يكون صفة الكبرياء أرفع حالا من صفة العظمة. والثاني: أن الشريعة فرقت بين الحالين، فإن المعتاد في دين الإسلام أن يقال في تحريمه الصلاة " الله أكبر " ولم يقل أحد " الله أعظم " ولولا التفاوت لما حصلت هذه التفرقة. الثالث: أن الألفاظ المشتقة من الكبير مذكورة في حق الله تعالى كالأكبر والمتكبر بخلاف العظيم فإن لفظ المتعظم غير مذكور في حق الله.
واعلم أن الله تعالى أقام كل واحدة من هاتين اللفظتين مقام الأخرى، فقال: * (ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم) * (البقرة: 250) وقال في آية أخرى: * (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير) * (سبأ: 23) إذا عرفت هذا فالمباحث السابقة مشعرة بالفرق بين العظيم وبين الكبير، وهاتان الآيتان مشعرتان بأنه لا فرق بينهما، فهذه العقدة يجب البحث عنها فنقول ومن الله الإرشاد والتعليم: يشبه أن يكون الكبير في ذاته كبيرا سواء استكبره غيره أم لا، وسواء عرف هذه الصفة أحد أو لا، وأما العظمة فهي عبارة عن كونه بحيث يستعظمه غيره، وإذا كان كذلك كانت الصفة الأولى ذاتية والثانية عرضية والذاتي أعلى وأشرف من العرضي، فهذا هو الممكن في هذا المقام والعلم عند الله.
ومن الأسماء المشعرة بالجسمية والجهة الألفاظ المشتقة من " العلو " فمنها قوله تعالى: * (العلي) * ومنها قوله: * (سبح اسم ربك الأعلى) * (الأعلى: 1) ومنها المتعالى ومنها اللفظ المذكور عند الكل على سبيل الأطباق وهو أنهم كلما ذكروه أردفوا ذلك الذكر بقولهم: " تعالى " لقوله تعالى في أول سورة النحل: * (سبحانه وتعالى عما يشركون) * (النحل: 1) إذا عرفت هذا فالقائلون بأنه في الجهة والمكان قالوا: معنى علوه وتعاليه كونه موجودا في جهة فوق، ثم هؤلاء منهم من قال إنه جالس فوق العرش، ومنهم من قال: إنه مباين للعرش ببعد متناه، ومنهم من قال: إنه مباين للعرش ببعد غير متناه، وكيف كان فإن المشبهة حملوا لفظ العظيم والكبير على الجسمية والمقدار