إذا عرفت هذا فلنذكر أحكام هذه الأقسام فنقول: أما قوله: * (لا إله إلا أنا) * فهذا الكلام لا يجوز أن يتكلم به أحد إلا الله أو من يذكره على سبيل الحكاية عن الله، لأن تلك الكلمة تقتضي إثبات الإلهية لذلك القائل، وذلك لا يليق إلا بالله سبحانه، واعلم أن معرفة هذه الكلمة مشروطة بمعرفة قوله: " أنا " وتلك المعرفة على سبيل التمام والكمال لا تحصل إلا للحق سبحانه وتعالى؛ لأن علم كل أحد بذاته المخصوصة أكمل من علم غيره به، لا سيما في حق الحق تعالى، فثبت أن قوله: " لا إله إلا أنا " لم يحصل العلم به على سبيل الكمال إلا للحق تعالى، وأما الدرجة الثانية وهي قوله: " لا إله إلا أنت " فهذا يصح ذكره من العبد لكن بشرط أن يكون حاضرا لا غائبا، لكن هذه الحالة إنما اتفق حصولها ليونس عليه السلام عند غيبته عن جميع حظوظ النفس، وهذا تنبيه على أن الإنسان ما لم يصر غائبا عن كل الحظوظ لا يصل إلى مقام المشاهدة، وأما الدرجة الثالثة وهي قوله: " لا إله إلا هو " فهذا يصح من الغائبين.
واعلم أن درجات الحضور مختلفة بالقرب والبعد، وكمال التجلي ونقصانه، وكل درجة ناقصة من درجات الحضور فهي غيبة بالنسبة إلى الدرجة الكاملة، ولما كانت درجات الحضور غير متناهية كانت مراتب الكمالات والنقصانات غير متناهية، فكانت درجات الحضور والغيبة غير متناهية، فكل من صدق عليه أنه حاضر فباعتبار آخر يصدق عليه أنه غائب، وبالعكس وعن هذا قال الشاعر: - أبا غائبا حاضرا في الفؤاد * سلام على الغائب الحاضر ويحكى أن الشبلي لما قربت وفاته قال بعض الحاضرين: قل لا إله إلا الله، فقال: - كل بيت أنت حاضره * غير محتاج إلى السرج وجهك المأمول حجتنا * يوم تأتي الناس بالحجج أسرار من التصوف في لفظ " هو ":
واعلم أن لفظ " هو " فيه أسرار عجيبة وأحوال عالية، فبعضها يمكن شرحه وتقريره وبيانه، وبعضها لا يمكن، قال مصنف الكتاب: وأنا بتوفيق الله كتبت أسرارا لطيفة، إلا أني كلما أقابل تلك الكلمات المكتوبة بما أجده في القلب من البهجة والسعادة عند ذكر كلمة " هو " أجد المكتوب بالنسبة إلى تلك الأحوال المشاهدة حقيرا، فعند هذا عرفت أن لهذه الكلمة تأثيرا عجيبا في القلب لا يصل البيان إليه، ولا ينتهي الشرح إليه، فلنكتب ما يمكن ذكره فنقول: فيه أسرار: الأول: أن الرجل إذا قال: " يا هو " فكأنه يقول: من