تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٥٦
والرغبة والرهبة، وأن الرياضة والمجاهدة لا تقلب النفوس عن أحوالها الأصلية ومناهجها الطبيعية، وإنما تأثير الرياضة في أن تضعف تلك الأخلاق ولا تستولي على الإنسان، فأما أن ينقلب من صفة أخرى فذلك محال، وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام: " الناس معادن كمعادن الذهب والفضة " وبقوله عليه الصلاة والسلام: " الأرواح جنود مجندة " إذا عرفت هذا فنقول: الجنسية علة الضم، فكل اسم من أسماء الله تعالى دال على معنى عين، فكل نفس غلب عليها ذلك المعنى كانت تلك النفس شديدة المناسبة لذلك الاسم، فإذا واظب على ذكر ذلك الاسم انتفع به سريعا، وسمعت أن الشيخ أبا النجيب البغدادي السهروردي كان يأمر المريد بالأربعين مرة أو مرتين بقدر ما يراه من المصلحة، ثم كان يقرأ عليه الأسماء التسعة والتسعين وكان ينظر إلى وجهه فإن رآه عديم التأثر عند قراءتها عليه قال له أخرج إلى السوق واشتغل بمهمات الدنيا فإنك ما خلقت لهذا الطريق، وإن رآه متأثرا عند سماع اسم خاص مزيد التأثر أمره بالمواظبة على ذلك الذكر، وأقول: هذا هو المعقول، فإنه لما كانت النفوس مختلفة كان كل واحد منها مناسبا لحالة مخصوصة، فإذا اشتغلت تلك النفس بتلك الحالة التي تناسبها كان خروجها من القوة إلى الفعل سهلا هينا يسيرا، وليكن هذا آخر كلامنا في البحث عن مطلق الأسماء، والله الهادي. الباب التاسع في المباحث المتعلقة بقولنا: " الله " وفيه مسائل لفظ الجلالة علم لا مشتق:
المسألة الأولى: المختار عندنا أن هذا اللفظ اسم علم لله تعالى، وأنه ليس بمشتق البتة، وهو قول الخليل وسيبويه، وقول أكثر الأصوليين والفقهاء، ويدل عليه وجوه، وحجج: - الحجة الأولى: أنه لو كان لفظا مشتقا لكان معناه معنى كليا لا يمنع نفس مفهومه من وقوع الشركة فيه لأن اللفظ المشتق لا يفيد إلا أنه شيء ما مبهم حصل له ذلك المشتق منه وهذا المفهوم لا يمنع من وقوع الشركة فيه بين كثيرين، فثبت أن هذا اللفظ لو كان مشتقا لم يمنع وقوع الشركة فيه بين كثيرين، ولو كان كذلك لما كان قولنا: " لا إله إلا الله " توحيدا حقا مانعا من وقوع الشركة فيه بين كثيرين؛ لأن بتقدير أن يكون الله لفظا مشتقا كان قولنا: " الله " غير مانع من أن يدخل تحته أشخاص كثيرة، وحينئذ لا يكون قولنا: " لا إله إلا الله " موجبا للتوحيد المحض، وحيث أجمع العقلاء على أن قولنا: " لا إله إلا الله " يوجب التوحيد المحض علمنا أن قولنا: " الله " اسم علم موضوع لتلك الذات المعينة، وأنها ليست من الألفاظ المشتقة
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»