المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٨٧
السبيل) فكرر لام الجر لما كانت الأولى مجرورة باللام ليبين ان البدل إنما هو منها ثم وصفهم تعالى بالصفة التي تقتضي فقرهم وتوجب الإشفاق عليهم وهي إخراجهم من ديارهم وأموالهم وجميع المهاجرين إما أخرجهم الكفار وإما أحوال الكفار وظهورهم وفرض الهجرة في ذلك الوقت ووصفهم بالفقر وإن كان لهم بعض أحوال وهي حال للفقر في اللغة وقد مضى بيان هذا في سورة الكهف وقوله * (يبتغون) * في موضع الحال و (الفضل والرضوان) يراد به الآخرة والجنة و (نصر الله) تعالى هو نصر شرعه ونبيه و * (الصادقون) * في هذه الآية يجمع صدق السان وصدق الأفعال لأن أفعالهم في أمر هجرتهم إنما كانت وفق أقوالهم قوله عز وجل سورة الحشر 9 - 10 " الذين تبوءوا " هم الأنصار والضمير في * (قبلهم) * للمهاجرين و * (الدار) * هي المدينة والمعنى تبوءوا الدار مع الإيمان معا وبهذا الاقتران يصح معنى قوله * (من قبلهم) * فتأمله * (والإيمان) * لا يتبوأ لأنه ليس مكانا ولكن هذا من بليغ الكلام ويتخرج على وجوه كلها جميل حسن وأثنى الله تعالى في هذه الآية على الأنصار بأنهم * (يحبون) * المهاجرين وبأنهم * (يؤثرون على أنفسهم) * وبأنهم قد وقوا شح أنفسهم لأن مقتضى قوله * (ومن يوق شح نفسه) * الآية ان هؤلاء الممدوحين قد وقوا الشح والحاجة الحسد في هذا الموضع قاله الحسن وتعم بعد جميع الوجوه التي هي بخلاف ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في إعطاء المهاجرين أموال بني النضير والقرى و * (أوتوا) * معناه أعطوا والضمير المرفوع بان لم يسم فاعله هو للمهاجرين وقوله تعالى * (ويؤثرون) * الآية صفة للأنصار وقد روي من غير ما طريق انها نزلت بسبب رجل من الأنصار قال أبو المتوكل هو ثابت بن قيس وقال أبي هريرة في كتاب مكي كنية هذا الرجل أبو طلحة وخلط المهدوي في ذكر هذا الرجل ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت والله ما عندنا الا قوت الصبية فقال نومي صبيتك واطفئي السراج وقدمي ما عندك للضيف ونوهمه نحن انا نأكل ففعلا ذلك فلما غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عجب الله من فعلكما البارحة ونزلت الآية في ذلك والإيثار على النفس أكرم خلق وقال حذيفة العدوي طلبت يوم اليرموك ابن عم لي في الجرحى ومعي شيء من ماء فوجدته فقلت أسقيك فأشار ان نعم فإذا رجل يصيح آه فأشار ابن عمي ان انطلق اليه فجئته فإذا هو هشام بن العاصي فقلت اشرب فإذا آخر يقول آه فأشار هشام ان انطلق إليه فجئته فإذا به قد فاضت نفسه فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات فعجبت من إيثارهم رحمهم الله وقال أبو زيد البسطامي
(٢٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 ... » »»