المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٩١
قوله عز وجل سورة الحشر 18 - 21 هذه آية وعظ وتذكير وتقريب للآخرة وتحذير ممن لا تخفى عليه خافية وقرأ جمهور الناس (ولتنظر) بسكون اللام وجزم الراء على الأمر وقرا يحيى بن الحارث وأبو حيوة وفرقة كذلك بالأمر الا انها كسرت اللام على أصل لام الأمر وقرا الحسن بن أبي الحسن فيما روى عنه (ولتنظر) بنصب الراء على لام كي كأنه قال وأمرنا بالتقوى لتنظروا كأنه قال * (اتقوا الله) * ولتكن تقواكم (لتنظر) وقوله تعالى * (لغد) * يريد يوم القيامة قال قتادة قرب الله القيامة حتى جعلها غدا وذلك انها آتية لا محالة وكل آت قريب ويحتمل ان يريد بقوله * (لغد) * ليوم الموت لأنه لكل إنسان كغده ومعنى الآية ما قدمت من الأعمال فإذا نظرها الإنسان تزيد من الصالحات وكف عن السيئات وقال مجاهد وابن زيد الأمس الدنيا وغد الآخرة وقرا الجمهور (ولا تكونوا) بالتاء من فوق على مخاطبة جميع الذين آمنوا وقرا أبو حيوة (يكونوا) بالياء من تحت كناية عن النفس التي هي اسم الجنس و * (الذين نسوا الله) * هم الكفار والمعنى تركوا الله وغفلوا عنه حتى كانوا كالناسين وعبر عما حفهم به من الضلالة ب * (فأنساهم أنفسهم) * سمى عقوبتهم باسم ذنبهم بوجه ما وهذا أيضا هو الجزاء على الذنب بالذنب تكسبوهم نسيان جهة الله فعاقبهم الله تعالى بان جعلهم ينسون أنفسهم قال سفيان المعنى حظ أنفسهم ويعطي لفظ هذه الآية ان من عرف نفسه ولم ينسها عرف ربه تعالى وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه اعرف نفسك تعرف ربك وروي عنه أنه قال أيضا من لم يعرف نفسه لم يعرف ربه وقرا ابن مسعود (ولا أصحاب الجنة) بزيادة لا وقوله تعالى * (لو أنزلنا هذا القرآن) * الآية موعظة للإنسان أو ذم لأخلاقه في غفلته وإعراضه عن داعي الله تعالى وذلك أن القرآن نزل عليهم وفهموه واعرضوا عنه وهو لو نزل على جبل وفهم الجبل منه ما فهم الإنسان لخشع واستكان وتصدع خشية لله تعالى وإذا كان الجبل على عظمه وقوته يفعل هذا فما عسى ان يحتاج ابن آدم يفعل لكنه يعرض ويصد على حقارته وضعفه وضرب الله تعالى هذا المثل ليتفكر فيه العاقل ويخشع ويلين قلبه وقرا طلحة بن مصرف (مصدعا) على إدغام التاء في الصاد
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»