المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٨٣
بسم الله الرحمن الرحيم سورة الحشر هذه السورة مدنية باتفاق من أهل العلم وهي سورة بني النضير وذلك أن رسول الله كان عاهد بني النضير على سلم وهم يرون انه لا تردد له راية فلما جرت هزيمة أحد ارتابوا وداخلوا قريشا وغدروا فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد تبين له معتقد بني النضير وغدرهم بعهده وموالاتهم للكفرة فجمع إليهم وحاصرهم وعاهدهم على أن يجليهم عن أرضهم فارتحلوا إلى بلاد مختلفة خيبر والشام وغير ذلك من البلاد ثم كان امر بني قريظة مرجعه من الأحزاب قوله عز وجل سورة الحشر 1 - 2 قد تقدم القول في نسبيح الجمادات التي يتناولها عموم ما في السماوات والأرض وان أهل العلم اختلفوا في ذلك فقال قوم ذلك على الحقيقة وقال آخرون ذلك مجاز أي آثار الصنعة فيها والايجاد لها كالتسبيح وداعية إلى التسبيح ممن له ان يسبح قال مكي * (سبح) * معناه صلى وسجد فهذا كله بمعنى الخضوع والطوع و * (العزيز الحكيم) * صفتان مناسبتان لما يأتي بعد من قصة العدو الذي اخرجهم من ديارهم و * (الذين كفروا من أهل الكتاب) * هم بنو النضير وكانت قبيلة عظيمة من بني إسرائيل موازية في القدر والمنزلة لبني قريظة وكان يقال للقبيلتين الكاهنان لأنهما من ولد الكاهن بن هارون وكانت أرضهم وحصونهم قريبة من المدينة ولهم نخل وأموال عظيمة فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد خرج إلى بني النضير فحاصرهم وأجلاهم على أن يحملوا من أموالهم ما أقلته إبلهم حاشى الحلقة وهي جميع السلاح فخرجوا إلى بلاد مختلفة فلذلك قوله تعالى * (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر) * وقوله تعالى * (لأول الحشر) * اختلف الناس في معنى ذلك بعد اتفاقهم على أن * (الحشر) * الجمع والتوجيه إلى ناحية ما فقال الحسن بن أبي الحسن وغيره أراد حشر القيامة أي هذا أوله والقيام من القبور آخره وروي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم (امضوا هذا
(٢٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 ... » »»