المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٩٨
امسك وقرا أبو عمرو وحده وابن جبير ومجاهد والأعرج والحسن بخلاف (ولا تمسكوا) من مسك بالشد في السين وقرا الحسن وابن أبي ليلى وابن عامر في رواية عبد المجيد (تمسكوا) بفتح التاء والميم وفتح السين وشدها وقرا الحسن (تمسكوا) بفتح التاء وسكون الميم وكسر السين مخففة ورأيت لأبي علي الفارسي أنه قال سمعت الفقيه أبا الحسن الكرخي يقول في تفسير قوله تعالى * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) * إنه في الرجال والنساء فقلت له النحويون لا يرون هذا الا في النساء لأن كوافر جمع كافرة فقال وايش يمنع من هذا أليس الناس يقولون طائفة كافرة وفرقة كافرة فبهت وقلت هذا تأييد وأمر تعالى ان يسأل أيضا الكافرون ان يدفعوا الصدقات التي أعطاها المؤمنون لمن فر من أزواجهم إلى الكفار وقرر الحكم بذلك على الجميع فروي عن ابن شهاب ان قريشا قالت نحن لا نرضى هذا الحكم ولا نلتزمه ولا ندفع لأحد صداقا فنزلت بسبب ذلك هذه الآية الأخرى * (وإن فاتكم) * الآية فامر الله تعالى المؤمنين ان يدفعوا إلى من فرت زوجته ففاتت بنفسها إلى الكفار صداقه الذي انفق قال ابن عباس في كتاب الثعلبي خمس نسوة من نساء المهاجرين رجعن عن الإسلام ولحقن بالمشركين أم الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن شداد وفاطمة بنت أبي أمية أخت أم سلمة كانت تحت عمر بن الخطاب وعبدة بنت عبد العزى كانت تحت هشام بن العاص وأم كلثوم بنت جرول كانت تحت عمر فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم مهور نسائهم من الغنيمة واختلف الناس في اي مال يدفع اليه الصداق فقال محمد بن شهاب الزهري يدفع اليه من الصدقات التي كانت تدفع إلى الكفار بسبب من هاجر من أزواجهم وازال الله تعالى دفعها إليهم حين لم يرضوا حكمه حسبما ذكرناه وهذا قول صحيح يقتضيه قوله تعالى * (فعاقبتم) * وسنبين ذلك في تفسير اللفظة إن شاء الله تعالى وقال مجاهد وقتادة يدفع اليه من غنائم المغازي وقال هؤلاء التعقيب بالغزو والمغنم وتأولوا اللفظة بهذا المعنى وقال الزهري أيضا يدفع اليه من أي وجوه الفيء أمكن والعاقبة في هذه الآية ليست بمعنى مجازاة السوء بالسوء لكنها بمعنى فصرتم منهم إلى الحال التي صاروا إليها منكم وذلك بأن يفوت إليكم شيء من أزواجكم وهكذا هو التعقيب على الجمل والدواب ان يركب هذا عقبه ويركب هذا عقبة وقرا ابن مسعود (وإن فاتكم أحد من أزواجكم) ويقال عاقب الرجل صاحبه في كذا اي جاء فعل كل واحد منهما بعقب فعل الاخر ومنه قول الشاعر الكميت (وحاردت النكد الجلاد ولم يكن * لعقبة قدر المستعيرين معقب) ويقال (عقب) بشد القاف أي أصاب عقبى والتعقيب غزو إثر غزو ويقال (عقب) بتخفيفها ويقال (عقب) بكسرها كل ذلك بمعنى يقرب بعضه من بعض وبجميع ذلك قرىء قرا جمهور الناس (عاقبتم) وقرا الأعرج ومجاهد والزهري وعكرمة وحميد (عقبتم) بالتشديد في القاف وقرأ الأعرج أيضا وأبو حيوة والزهري أيضا (عقبتم) بفتح القاف خفيفة وقرا النخعي والزهري أيضا (عقبتم) بكسر القاف وكلها بمعنى غنمتم وروي عن مجاهد (أعقبتم) بألف مقطوعة قبل العين وهذه الآية كلها قد ارتفع حكمها ثم ندب تعالى إلى التقوى وأوجبها وذكر العلة التي بها يجب التقوى وهي الإيمان بالله والتصديق بوحدانيته وصفاته وعقابه وإنعامه
(٢٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 ... » »»