المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٨٨
قدم علينا شاب من بلخ حاجا فقال ما حد الزهد عندكم فقلت إذا وجدنا اكلنا وإذا فقدنا صبرنا فقال هكذا عندنا كلاب بلخ فقلت له فما هو عندكم فقال إذا فقدنا صبرنا وإذا وجدنا آثرنا وروي أن سبب هذه الآية ان النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم هذه القرى في المهاجرين قال للأنصار (إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم في هذه الغنيمة وإن شئتم أمسكتم أموالكم وتركتم لهم هذه) فقالوا بل نقسم لهم من أموالنا ونترك لهم هذه الغنيمة فنزلت هذه الآية والخصاصة الفاقة والحاجة وهو مأخوذ من خصائص البيت وهو ما يبقى بين عيدانه من الفرج والفتوح فكان حال الفقير هي كذلك يتخللها النقص والاحتياج و (شح النفس ) هو كثرة منعها وضبطها على المال والرغبة فيه وامتداد الأمل هذا جماع شح النفس وهو داعية كل خلق سوء وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أدى الزكاة المفروضة وقرى الضيف وأعطى في النائبة فقد برئ من الشح) واختلف الناس بعد هذا الذي قلنا فذهب الجمهور والعارفون بالكلام إلى هذا وعلى هذا التأويل كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يطوف ويقول اللهم قني شح نفسي لا يزيد على ذلك فقيل له في ذلك فقال إذا وفيته لم أفعل سوءا قال القاضي أبو محمد (شح النفس) فقر لا يذهبه غنى المال بل يزيده وينصب به وقال ابن زيد وابن جبير وجماعة من لم يأخذ شيئا نهاه الله تعالى عنه ولم يمنع الزكاة المفروضة فقد برئ من شح النفس وقال ابن مسعود رحمه الله (شح النفس) هو اكل مال الغير بالباطل واما منع الإنسان ماله فهو بخل وهو قبيح ولكنه ليس بالشح وقرا عبد الله بن عمر (شح) بكسر السين ويوقى وزنه يفعل من وقى يقي مثل وزن يزن وقرا أبو حيوة (يوق) بفتح الواو وشد القاف و * (المفلحون) * الفائزون ببغيتهم واختلف الناس في قوله تعالى * (والذين جاؤوا من بعدهم) * فقال الفراء أراد الفرقة الثالثة من الصحابة وهي من امن أو كبر في آخر مدة النبي صلى الله عليه وسلم وقال جمهور العلماء أراد من يجيء من التابعين وغيرهم إلى يوم القيامة فوصف الله تعالى القول الذي ينبغي ان يلتزمه كل من لم يكن من الصدرالأول وإعراب * (الذين) * رفع عطفا على * (هم) * أو على * (الذين) * أو رفع بالابتداء وقوله تعالى * (يقولون) * حال فيها الفائدة والمراد والذين جاؤوا قائلون كذا أو يكون يقولون صفة ولهذه الآية قال مالك وغيره إنه من كان له في أحد من الصحابة قول سوء أو بغض فلا حظ له في الغنيمة أدبا له وجاء عراقيون إلى علي بن الحسين فسبوا أبا كر وعمر وعثمان فقال لهم امن المهاجرين الأولين أنتم فقالوا لا أفمن " الذين تبوءوا الدار والإيمان " قالوا لا قال فقد تبرأتم من هذين الفريقين وانا أشهد انكم لستم من الذين قال الله تعالى فيهم * (والذين جاؤوا من بعدهم) * الآية قوموا فعل الله بكم وفعل وقال الحسن أدركت ثلاثمائة من الصحابة منهم سبعون بدريا كلهم يحدثني ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه) فالجماعة ان لا تسبوا الصحابة ولا تماروا في دين الله ولا تكفروا أحدا من أهل التوحيد بذنب) والغل الحقد والاعتقاد الرديء وقرا الأعمش (في قلوبنا غمرا للذين) والغمر الحقد وقد تقدم الاختلاف في قراءة * (رؤوف) *
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»