المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٨١
ذلك والعذاب الشديد هو عذاب الآخرة وقرا جمهور الناس (أيمانهم) جمع يمين وقرا الحسن بن أبي الحسن (إيمانهم) أي يظهرونه من الإيمان والجنة ما يتستر به ويتقي المحذور ومنه المجن وهو الترس وقوله * (فصدوا عن سبيل الله) * يحتمل ان يكون الفعل غير متعد كما تقول صد زيد أي صدوا هم أنفسهم عن سبيل الله والايمان برسوله ويحتمل ان يكون متعديا أي صدوا غيرهم من الناس عن الإيمان ممن اقتدى بهم وجرى في مضمارهم ويحتمل ان يكون المعنى * (فصدوا) * المسلمين عن قتلهم وتلك * (سبيل الله) * فيهم لكن ما أظهروه من الإيمان صدوا به المسلمين عن ذلك والمهين المذل من الهوان قوله عز وجل سورة المجادلة 17 - 21 روي أن المنافقين فخروا بكثرة أموالهم وأولادهم وأظهروا السرور بذلك فنزلت الآية معلمة ان ذلك لا غناء له عنهم ولا مدفع بسببه والعامل في قوله * (يوم يبعثهم) * * (أصحاب) * على تقدير فعل وأخبر الله تعالى عنهم في هذه الآية انه ستكون لهم أيمان يوم القيامة وبين يدي الله يخيل إليهم بجهلهم انها تنفعهم وتقبل منهم وهذا هو حسابهم " انهم على شيء " أي على فعل نافع لهم وقال ابن عباس في كتاب الثعلبي قال النبي عليه السلام (ينادي مناد يوم القيامة أين خصماء الله فتاتي القدرية مسودة وجوههم زرقة أعينهم فيقولون والله ما عبدنا شمسا ولا قمرا ولا صنما ولا اتخذنا من دونك وليا) قال ابن عباس صدقوا والله ولكن اتاهم الإشراك من حيث لا يعلمون ثم تلا ابن عباس هذه الآية وقوله تعالى * (استحوذ عليهم الشيطان) * معناه تملكهم من كل جهة وغلب على نفوسهم وهذا الفعل مما استعمل على الأصل فإن قياس التعليل يقتضي ان يقال استحاذ وحكى الفراء في كتاب اللغات ان عمر رضي الله عنه قرا (استحاذ) و * (يحادون) * معناه يعطون الحد من الأفعال والأقوال وقال بعض أهل المعاني معناه يكونون في حد غير الحد الذي شرع الله تعالى ثم قضى تعالى على محاده بالذل وأخبر انه كتب فيما أمضاه من قضائه وقدره في الأزل انه يغلب هو ورسله كل من حاد الله والرسل وقرا نافع وابن عامر (ورسلي) بفتح الياء وقرا الباقون بسكونها وقال الحسن وغيره ما امر الله تعالى قط رسولا بالقتال الا وغلبه وظفره بقوته وعزته لا رب سواه وقال غيره ومن لم يؤمر بقتال فهو غالب بالحجة
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»