المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٦٤
استعارة لأنها من حيث تضمنهم وتباشرهم هي تواليهم وتكون لهم مكان المولى وهذا نحو قول الشاعر عمرو بن معد يكرب (تحية بينهم ضرب وجميع *) الوافر وقوله تعالى * (ألم يأن) * الآية ابتداء معنى مستأنف وروي انه كثر المزاح والضحك في بعض تلك المدة في قوم من شبان المسلمين فنزلت هذه الآية وقال ابن مسعود مل الصحابة ملة فنزلت الآية ومعنى * (ألم يأن) * ألم يحن ويقال أني الشيء يأني إذا حان ومنه قول الشاعر (تمخضت المنون له بيوم * أنى ولكل حاملة تمام) الوافر وقرأ الحسن بن أبي الحسن ألما يأن وروي عنه أنه قرأ ألم يين وهذه الآية على معنى الحض والتقريع قال ابن عباس عوتب المؤمنون بهذه الآية بعد ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن وسمع الفضل بن موسى قارئا يقرأ هذه الآية والفضل يحاول معصية فكانت الآية سبب توبته وحكى الثعلبي عن ابن المبارك انه في صباه حرك العود ليضربه فإذا به قد نطق بهذه الآية فتاب ابن المبارك وكسر العود وجاء التوفيق والخشوع الإخبات والتطامن وهي هيئة تظهر في الجوارح متى كانت في القلب فلذلك خص تعالى القلب بالذكر وروى شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أول ما يرفع من الناس الخشوع) وقوله تعالى * (لذكر الله) * أي لأجل ذكر الله ووحيه الذي بين أظهرهم ويحتمل ان يكون المعنى لأجل تذكير الله إياهم وأوامره فيهم وقرا عاصم في رواية حفص ونافع (وما نزل) مخفف الزاي وقرا الباقون وأبو بكر عن عاصم (نزل) بشد الزاي على معنى نزل الله من الحق وقرا أبو عمرو في رواية عباس وهي قراءة الجحدري وابن القعقاع (نزل) بكسر الزاي وشدها وقرأ نافع وأبو عمرو والأعرج وأبو جعفر (ولا يكونوا) بالياء على ذكر الغيب وقرا حمزة فيما روى عنه سليم (ولا تكونوا) بالتاء على مخاطبة الحضور والإشارة في قوله * (أوتوا الكتاب) * إلى بني إسرائيل المعاصرين لموسى عليه السلام وذلك قال * (من قبل) * وإنما شبه أهل عصر نبي بأهل عصر نبي و * (الأمد) * قيل معناه أمد انتظار الفتح وقيل امد انتظار القيامة وقيل امد الحياة و * (قست) * معناه صلبت وقل خيرها وانفعالها للطاعات وسكنت إلى معاصي الله ففعلوا من العصيان والمخالفة ما هو مأثور عنهم وقوله تعالى * (اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها) * الآية مخاطبة لهؤلاء المؤمنين الذين ندبوا إلى الخشوع وهذا ضرب مثل واستدعاء إلى الخير رقيق وتقريب بليغ أي لا يبعد عنكم أيها التاركون للخشوع رجوعكم اليه وتلبسكم به (فإن الله يحيي الأرض بعد موتها) فكذلك يفعل بالقلوب يردها إلى الخشوع بعد بعدها عنه وترجع هي اليه إذا وقعت الإنابة والتكسب من العبد بعد نفورها منه كما تحيى الأرض بعد أن كانت ميتة غبراء وباقي الآية بين جدا
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»