المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٦٧
ثم يأخذ بعد ذلك في انحطاط فيشيب ويضعف ويسقم وتصيبه النوائب في ماله وذريته ويموت ويضمحل امره وتصير أمواله لغيره وتغير رسومه فامره مثل مطر أصاب أرضا فنبت عن ذلك الغيث نبات معجب أنيق ثم هاج أي يبس واصفر ثم تحطم ثم تفرق بالرياح واضمحل واختلف المتأولون في لفظة * (الكفار) * هنا فقال بعض أهل التأويل هو من الكفر بالله وذلك لأنهم أشد تعظيما للدنيا وأشد اعجابا بمحاسنها وقال آخرون منهم هو من كفر الحب اي ستره في الأرض فهم الزراع وخصهم بالذكر لأنهم أهل البصر بالنبات والفلاحة فلا يعجبهم الا المعجب حقيقة الذي لا عيب له وهاج الزرع معناه يبس واصفر وحطام بناء مبالغة يقال حطيم وحطام بمعنى محطوم أو متحطم كعجيب وعجاب بمعنى معجب ومتعجب منه ثم قال تعالى * (وفي الآخرة) * كأنه قال والحقيقة هاهنا ثم ذكر العذاب أولا تهمما به من حيث الحذر في الانسان ينبغي ان يكون أولا فإذا تحرر من المخاوف مد حينئذ امله فذكر الله تعالى ما يحذر قبل ما يطمع فيه وهو المغفرة والرضوان وروي عن عاصم ضم الراء من (رضوان) و * (متاع الغرور) * معناه الشيء الذي لا يعظم الاستمتاع به الا مغتر وقال عكرمة وغيره * (متاع الغرور) * القوارير لأن الفساد والآفات تسرع إليها فالدنيا كذلك أو هي أشد قوله عز وجل سورة الحديد 21 - 23 لما ذكر تعالى المغفرة التي في الآخرة ندب في هذه الآية إلى المسارعة إليها والمسابقة وهذه الآية حجة عند جميع العلماء في الندب إلى الطاعات وقد استدل لها بعضهم على أن أول أوقات الصلوات أفضل لأنه يقتضي المسارعة والمسابقة وقد ذكر بعضهم في تفسير هذه الآية أشياء هي على جهة المثال فقال قوم من العلماء منهم ابن مسعود * (سابقوا إلى مغفرة من ربكم) * معناه كونوا في أول صف في القتال وقال آخرون منهم انس بن مالك معناه اشهدوا تكبيرة الاحرام مع الامام وقال آخرون منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه كن أول داخل في المسجد وآخر خارج منه وهذا كله على جهة المثال وذكر العرض من الجنة إذ المعهود انه أقل من الطول وقال قوم من أهل المعاني عبر عن الساحة بالعرض ولم يقصد ان طولها أقل ولا أكثر وقد ورد في الحديث (إن سقف الجنة العرش) وورد في الحديث (إن السماوات السبع في الكرسي كالدرهم في الفلاة وإن الكرسي في العرش كالدرهم في الفلاة)
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»