المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٦٥
قوله عز وجل سورة الحديد 18 - 19 قرا جمهور القراء (إن المصدقين) بشد الصاد المفتوحة على معنى المتصدقين وفي مصحف أبي بن كعب (إن المتصدقين) فهذا يؤيد هذه القراءة وأيضا فيجيء قوله تعالى * (وأقرضوا الله قرضا حسنا) * ملائما في الكلام للصدقة وقرا ابن كثير وأبو بكر عن عاصم (إن المصدقين) بتخفيف الصاد على معنى إن الذين صدقوا رسول الله فيما بلغ عن الله وآمنوا به ويؤيد هذه القراءة انها أكثر تناولا لأن كثيرا ممن لا يتصدق يعمه اللفظ في التصديق ثم إن تقييدهم يقوله * (وأقرضوا) * يرد مقصد القراءتين قريبا بعضه من بعض وقوله * (أقرضوا) * معطوف على المعنى لأن معنى قوله * (إن المصدقين والمصدقات) * إن الذين تصدقوا ولا يصح هنا عطف لفظي قاله أبو علي في الحجة وقد تقدم معنى القرض ومعنى المضاعفة التي وعد الله بها هذه الأمة وقد تقدم معنى وصف الأجر بالكريم كل ذلك في هذه السورة قال القاضي أبو محمد ويؤيد عندي قراءة من قرأ (إن المصدقين) بشد الصاد إن الله تعالى حض في هذه الآية على الانفاق وفي سبيل الله تعالى ثم ذكر في هذه أهل الصدقة ووعدهم ثم ذكر أهل الإيمان والتصديق في قوله * (والذين آمنوا بالله ورسله) * وعلى قراءة من قرأ (إن المصدقين) بتخفيف الصاد فذكر المؤمنين مكرر في اللفظ وكون الأصناف منفردة بأحكامها من الوعد أبين والإيمان بمحمد يقتضي الايمان بجميع الرسل فلذلك قال * (ورسله) * و * (الصديقون) * بناء مبالغة من الصدق أو من التصديق على ما ذكر الزجاج وفعيل لا يكون فيما احفظ الا من فعل ثلاثي وقد أشار بعض الناس إلى أنه يجيء من غير الثلاثي وقال مسيك من امسك وأقول إنه يقال مسك الرجل وقد حكى مسك الشيء وفي هذا نظر وقوله تعالى * (والشهداء عند ربهم) * اختلف الناس في تأويل ذلك فقال ابن مسعود ومجاهد وجماعة * (والشهداء) * معطوف على قوله * (الصديقون) * والكلام متصل ثم اختلفت هذه الفرقة في معنى هذا الاتصال فقال بعضها وصف الله المؤمنين بأنهم صديقون وشهداء فكل مؤمن شهيد قاله مجاهد وروى البراء بن عازب ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (مؤمنو أمتي شهداء) وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية وإنما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الشهداء السبعة تشريفا ولأنهم في أعلى رتب الشهادة الا ترى أن المقتول في سبيل الله مخصوص أيضا من السبعة بتشريف ينفرد به وقال بعضها وصف الله تعالى المؤمنين بأنهم صديقون وشهداء لكن من معنى الشاهد لا من معنى الشهيد وذلك نحو قوله تعالى * (لتكونوا شهداء على الناس) * البقرة 143 فكأنه قال في هذه الآية هم أهل
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»