القراءات في قوله تعالى * (ولا يحسبن الذين يبخلون) * كالتي تقدمت آنفا في قوله * (ولا يحسبن الذين كفروا) * سواء وقال السدي وجماعة من المتأولين الآية نزلت في البخل بالمال والإنفاق في سبيل الله وأداء الزكاة المفروضة ونحو ذلك قالوا ومعنى * (سيطوقون ما بخلوا) * هو الذي ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أنه قال (ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله عن فضل ما عنده فيبخل به عليه إلا خرج له يوم القيامة شجاع أقرع من الناس يتلمظ حتى يطوقه) والأحاديث في مثل هذا من منع الزكاة واكتناز المال كثيرة صحيحة وقال ابن عباس الآية إنما نزلت في أهل الكتاب وبخلهم ببيان ما علمهم الله من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وقال ذلك مجاهد وجماعة من أهل التفسير وقوله تعالى * (سيطوقون) * على هذا التأويل معناه سيحملون عقاب ما بخلوا به فهو من الطاقة كما أنه قال تعالى * (وعلى الذين يطيقونه) * البقرة 184 وليس من التطويق وقال إبراهيم النخعي * (سيطوقون) * سيجعل لهم يوم القيامة طوق من نار وهذا يجري مع التأويل الأول الذي ذكرته للسدي وغيره وقال مجاهد سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به يوم القيامة وهذا يضرب مع قوله إن البخل هو بالعلم الذي تفضل الله عليهم بأن علمهم إياه وإعراب قوله تعالى * (الذين يبخلون) * رفع في قراءة من قرأ يحسبن بالياء من أسفل والمفعول الأول مقدر بالصلة تقديره ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم من فضله بخلهم هو خيرا والمفعول الثاني خيرا وهو فاصلة وهي العماد عند الكوفيين ودل قوله * (يبخلون) * على هذا البخل المقدر كما دل السفيه على السفه في قول الشاعر (إذا نهي السفيه جرى إليه * وخالف والسفيه إلى خلاف) الوافر فالمعنى جرى إلى السفه وأما من قرأ تحسبن بالتاء من فوق ففي الكلام حذف مضاف هو المفعول الأول تقديره ولا تحسبن يا محمد بخل الذين يبخلون خيرا لهم أنه قال الزجاج وهي مثل * (واسأل القرية) * يوسف 82 وقوله تعالى * (ولله ميراث السماوات) * خطاب على ما يفعله البشر دال على فناء الجميع وأنه لا يبقى مالك إلا الله تعالى وإن كان ملكه تعالى على كل شيء لم يزل وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والله بما يعملون بالياء من أسفل على ذكر الذين يبخلون ويطوقون وقرأ الباقون بالتاء من فوق وذلك على الرجوع من الغيبة إلى المخاطبة لأنه قد تقدم * (وإن تؤمنوا وتتقوا) * آل عمران 179 وقوله تعالى * (لقد سمع الله) * الآية أنه قال ابن عباس نزلت بسبب فنحاص اليهودي وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه إلى بيت المدراس ليدعوهم فوجد فيه جماعة من اليهود قد اجتمعوا على فنحاص وهو حبرهم فقال أبو بكر له يا فنحاص اتق الله وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة فقال فنحاص والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة وإنه إلينا لفقير وإنا عنه لأغنياء ولو كان غنيا لما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم في كلام طويل غضب أبو بكر منه فرفع يده فلطم وجه فنحاص وسبه وهم بقتله ثم منعه من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال له لا تحدث شيئا حتى تنصرف إلي ثم
(٥٤٧)