المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٥٤٦
قال القاضي والمسألة جائزة إذ المعنى لا تحسبن إملاءنا للذين كفروا خيرا لهم أو نحو هذا ومعنى هذه الآية الرد على الكفار في قولهم إن كوننا ظاهرين ممولين أصحة دليل على رضى الله بحالنا واستقامة طريقتنا عنده فأخبر الله أن ذلك التأخير والإمهال إنما هو إملاء واستدراج ليكتسبوا الآثام وقال عبد الله بن مسعود ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها أما البرة فلتسرع إلى رحمة الله وقرأ * (وما عند الله خير للأبرار) * آ ل عمران 198 وأما الفاجرة فلئلا تزداد إثما وقرأ هذه الآية ووصف العذاب بالمهين معناه التخسيس لهم فقد يعذب من لا يهان وذلك إذا اعتقدت إقالة عثرته يوما ما واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى * (ما كان الله ليذر) * فقال مجاهد وابن جريج وابن إسحاق وغيرهم الخطاب للمؤمنين والمعنى ما كان الله ليدع المؤمنين مختلطين بالمنافقين مشكلا أمرهم يجري المنافق مجرى المؤمن ولكنهم ميز بعضهم من بعض بما ظهر من هؤلاء وهؤلاء في أحد من الأفعال والأقوال وقال قتادة والسدي الخطاب وللكفار والمعنى حتى يميز المؤمنين من الكافرين بالإيمان والهجرة وقال السدي وغيره أنه قال الكفار في بعض جدلهم أنت يا محمد تزعم في الرجل منا أنه من أهل النار وأنه إذا اتبعك من أهل الجنة فكيف يصح هذا ولكن أخبرنا بمن يؤمن منا وبمن يبقى على كفره فنزلت الآية فقيل لهم لا بد من التمييز * (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) * فيمن يؤمن ولا فيمن يبقى كافرا ولكن هذا رسول مجتبى فآمنوا به فإن آمنتم نجوتم وكان لكم أجر وأما مجاهد وابن جريج وأهل القول فقولهم في تأويل قوله تعالى * (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) * أنه في أمر أحد أي ما كان الله ليطلعكم على أنكم تهزمون فكنتم تكعون عن هذا وأيضا فما كان ليطلعكم على المنافقين تصريحا بهم وتسمية لهم ولكن هذا بقرائن أفعالهم وأقوالهم في مثل هذا الموطن وحتى في قوله * (حتى يميز) * غاية مجردة لأن الكلام قبلها معناه الله يخلص ما بينكم بابتلائه وامتحانه حتى يميز وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم حتى يميز بفتح الياء وكسر الميم وتخفيف الياء وكذلك ليميز وقرأ حمزة والكسائي حتى يميز وليميز الله بضم الياء والتشديد أنه قال يعقوب بن السكيت مزت وميزت لغتان بمعنى واحد أنه قال أبو علي وليس ميزت بمنقول من مزت بدليل أن ميزت لا يتعدى إلى مفعولين وإنما يتعدى إلى مفعول واحد كمزت كما أن ألقيت ليس بمنقول من لقي إنما هو بمعنى أسقطت والغيب هنا ما غاب عن البشر مما هو في علم الله من الحوادث التي تحدث ومن الأسرار التي في قلوب المنافقين ومن الأقوال التي يقولونها إذا غابوا عن الناس أنه قال الزجاج وغيره روي أن بعض الكفار أنه قال لم لا يكون جميعنا أنبياء فنزلت هذه الآية و * (يجتبي) * معناه يختار ويصطفي وهي من جبيت الماء والمال وباقي الآية بين والله المستعان سورة آل عمران 180
(٥٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 541 542 543 544 545 546 547 548 549 550 551 ... » »»