قال القاضي وكأن الآية على هذا في قصة أحد لما نزل عليه * (وشاورهم في الأمر) * آل عمران 159 إلى عير ذلك مما استحسنوه بعد إساءتهم من العفو عنهم ونحوه وبالجملة فهو تأويل ضعيف وكان يجب أن يكون يغل بضم الياء وكسر الغين لأنه من الإغلال في الأمانة وأما قراءة من قرأ أن يغل بضم الياء وفتح الغين فمعناها عند جمهور من أهل العلم أن ليس لأحد أن يغله أي يخونه في الغنيمة فالآية في معنى نهي الناس عن الغلول في المغانم والتوعد عليه وخص النبي بالذكر وإن كان ذلك محظورا مع الأمراء لشنعة الحال مع النبي صلى الله عليه وسلم لأن المعاصي تعظم مع حضرته لتعين توقيره والولاة هم عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فلهم حظهم من التوقير وقال بعض الناس معنى أن يغل أن يوجد غالا كما تقول أحمدت الرجل وجدته محمودا فهذه القراءة على هذا التأويل ترجع إلى معنى يغل بفتح الياء وضم الغين وقال أبو علي الفارسي معنى يغل بضم الياء وفتح الغين يقال له غللت وينسب إلى ذلك كما تقول أسقيته إذا قلت سقاك الله كما أنه قال ذو الرمة (وأسقيه حتى كاد مما أبثه * تكلمني أحجاره وملاعبه) الطويل وهذا التأويل موقر للنبي صلى الله عليه وسلم ونحوه في الكلام أكفرت الرجل إذا نسبته إلى الكفر وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا آكل سمنا حتى يحيا الناس من أول ما يحيون أي يدخلون في الحيا وقوله تعالى * (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) * وعيد لمن يغل من الغنيمة أو في زكاته فيجحدها ويمسكها فالفضيحة يوم القيامة بأن يأتي على رؤوس الاشهاد بالشيء الذي غل في الدنيا وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال (ألا يخشى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك) ثم ذكر ذلك عليه السلام في بقرة لها خوار وجمل له رغاء وفرس له حمحمة وروى نحو هذا الحديث ابن عباس أنه قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء) الحديث بطوله وروى نحوه أبو حميد الساعدي وعمر بن الخطاب وعبد الله بن أنيس وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أدوا الخياط والمخيط) فقام رجل فجاء بشراك أو شراكين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (شراك أو شراكان من نار) وقال في مدعم إن الشملة التي غل من المغانم يوم خيبر لتشتعل عليه نارا قال القاضي وهذه الفضيحة التي يوقع الله بالغال هي نظيرة الفضيحة التي توقع بالغادر في أن بنصب له لواء بغدرته حسب قوله صلى الله عليه وسلم وجعل الله هذه المعاقبات حسبما يعهده البشر ويفهمونه ألا ترى إلى قول الحارد (أسمي ويحك هل سمعت بغدرة * رفع اللواء لنا بها في المجمع) الكامل وكانت العرب ترفع للغادر لواء وكذلك يطاف بالجاني مع جنايته وقد تقدم القول في نظير * (ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) * البقرة 281 وقوله تعالى * (أفمن اتبع رضوان الله) * الآية توقيف على تباين المنزلتين وافتراق الحالتين
(٥٣٦)