المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٥٤٩
يكون خطابا لمعاصري النبي صلى الله عليه وسلم يوم نزول الآية ونسب هذا التقديم إلى اليد إذ هي الكاسبة للأعمال في غالب أمر الإنسان فأضيف كل كسب إليها ثم بين تعالى أنه يفعل هذا بعدل منه فيهم ووضع الشيء موضعه والتقدير وبأن الله * (ليس بظلام للعبيد) * وجمع عبدا في هذه الآية على عبيد لأنه مكان تشفيق وتنجية من ظلم وقوله تعالى * (الذين قالوا إن الله عهد إلينا) * صفة راجعة إلى قوله * (الذين قالوا إن الله فقير) * وقال الزجاج * (الذين) * صفة للعبيد وهذا مفسد للمعنى والرصف وهذه المقالة قالتها أحبار يهود مدافعة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أي إنك لا تأتي بنار فنحن قد عهد إلينا أن لا نؤمن لك و * (عهد) * معناه أمر والعهد أخص من الأمر وذلك أنه في كل ما يتطاول أمره ويبقى في غابر الزمان وتعدى آمن في هذه الآية باللام والباء في ضمن ذلك وقربان مصدر سمي به الشيء الذي يقرب كالرهن وكان أمر القربان حكما قديما في الأنبياء ألا ترى أن ابني آدم قربا قربانا وذلك أنهم كانوا إذا أرادوا معرفة قبول الله تعالى لصدقة إنسان أو عمله أو صدق قوله قرب قربانا شاة أو بقرة ذبيحة أو بعض ذلك وجعله في مكان للهواء وانتظر به ساعة فتنزل نار من السماء فتحرق ذلك الشيء فهذه علامة القبول وإذا لم تنزل النار فليس ذلك العمل بمقبول ثم كان هذا الحكم في أنبياء بني إسرائيل وكانت هذه النار أيضا تنزل لأموال الغنائم فتحرقها حتى أحلت الغنائم لمحمد صلى الله عليه وسلم حسب الحديث وروي عن عيسى بن عمر أنه كان يقرأ بقربان بضم الراء وذلك للاتباع لضمة القاف وليست بلغة لأنه ليس في الكلام فعلان بضم الفاء والعين وقد حكى سيبويه السلطان بضم اللام وقال إن ذلك على الاتباع سورة آل عمران 183 - 184 هذا رد عليهم في مقالتهم وتبيين لإبطالهم أي * (قد جاءكم رسل) * بالآيات الباهرة البينة وفي جملتها ما قلتم من أمر القربان فلم قتلتموهم يا بني إسرائيل المعنى بل هذا منكم تعلل وتعنت ولو أتيتكم بالقربان لتعللتم بغير ذلك والاقتراح لا غاية له ولا يجاب كل مقترح ولم يجب الله مقترحا إلا وقد أراد تعذيبه وأن لا يمهله كقوم صالح وغيرهم وكذلك قيل لمحمد في اقتراح قريش فأبى وقال بل أدعوهم وأعالجهم ثم آنس تعالى نبيه بالأسوة والقدوة فيمن تقدم من الأنبياء أي فلا يعظم عليك ذلك وقرأ ابن عامر و بالزبر بإعادة باء الجر وسقوطها على قراءة الجمهور متجه لأن الواو شركت الزبر في الباء الأولى فاستغني عن إعادة الباء وإعادتها أيضا متجهة لأجل التأكيد وكذلك ثبتت في مصاحف أهل الشام وروي أيضا عن ابن عامر إعادة الباء في قوله وبالكتاب المنير و * (الزبر) * الكتاب المكتوب يقال زبرت الكتاب إذا كتبته وزبرته إذا قرأته والشاهد لأنه الكتاب قول امرئ القيس
(٥٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 544 545 546 547 548 549 550 551 552 553 554 ... » »»