تقدم القول في صيغة وما كان لكذا أن يكون كذا في قوله تعالى * (وما كان لنفس أن تموت) * آل عمران 145 وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم يغل بفتح الياء وضم الغين وبها قرأ ابن عباس وجماعة من العلماء وقرأ باقي السبعة أن يغل بضم الياء وفتح الغين وبها قرأ ابن مسعود وجماعة من العلماء واللفظة بمعنى الخيانة في خفاء أنه قال بعض اللغويين هي مأخوذة من الغلل وهو الماء الجاري في أصول الشجر والدوح أنه قال أبو عمرو تقول العرب أغل الرجل يغل إغلالا إذا خان ولم يؤد الأمانة ومنه قول النمر بن تولب (جزى الله عني جمرة ابنة نوفل * جزاء مغل بالأمانة كاذب) الطويل وقال شريح ليس على المستعير غير المغل ضمان أنه قال أبو علي وتقول من الغل الذي هو الضغن غل يغل بكسر الغين ويقولون في الغلول من الغنيمة غل يغل بضم الغين والحجة لمن قرأ يغل أن ما جاء من هذا النحو في التنزيل أسند الفعل فيه إلى الفاعل على نحو " ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء " يوسف 38 * (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) * يوسف 76 * (وما كان لنفس أن تموت) * آل عمران 145 " وما كان الله ليضل قوما بعد أن هداهم " التوبة 115 * (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) * آل عمران 179 ولا يكاد يجيء ما كان زيد ليضرب فيسند الفعل فيه إلى المفعول به وفي هذا الاحتجاج نظر وروي عن ابن عباس أنه قرأ يغل بضم الغين فقيل له إن ابن مسعود قرأ يغل بفتح الغين فقال ابن عباس بلى والله ويقتل واختلف المفسرون في السبب الذي أوجب أن ينفي الله تعالى عن النبي أن يكون غالا على هذه القراءة التي هي بفتح الياء وضم الغين فقال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير وغيرهم نزلت بسبب قطيفة حمراء فقدت من المغانم يوم بدر فقال بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم لعل رسول الله أخذها فنزلت الآية قال القاضي أبو محمد قيل كانت هذه المقالة من مؤمنين لم يظنوا أن في ذلك حرجا وقيل كانت من منافقين وقد روي أن المفقود إنما كان سيفا أنه قال النقاش ويقال إنما نزلت لأن الرماة قالوا يوم أحد الغنيمة الغنيمة أيها الناس إنما نخشى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أخذ شيئا فهو له) فلما ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (خشيتم أن نغل) ونزلت هذه الآية وقال الضحاك بل السبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث طلائع في بعض غزواته ثم غنم قبل مجيئهم فقسم للناس ولم يقسم للطلائع فأنزل الله تعالى عليه عتابا * (وما كان لنبي أن يغل) * أي يقسم لبعض ويترك بعضا وروي نحو هذا القول عن ابن عباس ويتجه على هذا أن تكون الآية إعلاما بعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسمه للغنائم وردا على الأعراب الذين صاحوا به اقسم علينا غنائمنا يا محمد وازدحموا حتى اضطروه إلى السمرة التي أخذت رداءه ونحا إليه الزجاج وقال ابن إسحاق الآية إنما نزلت إعلاما بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتم شيئا مما أمر بتبليغه
(٥٣٥)