المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٥٣٨
ثم وقف تعالى المؤمنين على الخطأ في قلقهم للمصيبة التي نزلت بهم وإعراضهم عما نزل بالكفار وعرفهم أن ذلك لسبب أنفسهم والواو في قوله " أولما " عطف جملة على جملة دخلت عليها ألف التقرير على معنى إلزام المؤمنين هذه المقالة في هذه الحال والمصيبة التي نالت المؤمنين هي قصد أحد وقتل سبعين منهم واختلف في المثلين اللذين أصاب المؤمنين فقال قتادة والربيع وابن عباس وجمهور المتأولين ذلك في يوم بدر قتل المؤمنون من كفار قريش سبعين وأسروا سبعين وقال الزجاج أحد المثلين هو قتل السبعين يوم بدر والثاني هو قتل اثنين وعشرين من الكفار يوم أحد فهو قتل بقتل ولا مدخل للأسرى في هذه الآية هذا معنى كلامه لأن أسارى بدر أسروا ثم فدوا فلا مماثلة بين حالهم وبين قتل سبعين من المؤمنين و * (إني) * معناها كيف ومن أين ثم أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم * (هو من عند أنفسكم) * واختلف الناس كيف هو من عند أنفسهم ولأي سبب فقال الجمهور من المفسرين لأنهم خالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرأي حين رأى أن يقيم بالمدينة ويترك كفار قريش بشر محبس فأبوا إلا الخروج حتى جرت القصة وقالت طائفة قوله تعالى * (من عند أنفسكم) * إشارة إلى عصيان الرماة وتسبيبهم الهزيمة على المؤمنين وقال الحسن وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما بل ذلك لما قبلوا الفداء يوم بدر وذلك أن عليا بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لما فرغت هزيمة المشركين ببدر جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إن الله قد كره ما يصنع قومك في أخذ الأسارى وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين أن يقدموا الأسارى فتضرب أعناقهم أو يأخذوا الفداء على أن يقتل من أصحابك عدة هؤلاء الأسارى فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فذكر ذلك لهم فقالوا يا رسول الله عشائرنا وإخواننا بل نأخذ فداءهم فنتقوى به على قتال عدونا ويستشهد منا عدتهم فليس في ذلك ما نكره أنه قال فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا سورة آل عمران 166 - 167 الخطاب بقوله تعالى * (وما أصابكم) * للمؤمنين و * (الجمعان) * هما عسكر النبي صلى الله عليه وسلم وعسكر قريش يوم أحد ودخلت الفاء في قوله * (فبإذن الله) * رابطة مشددة وذلك للإبهام الذي في " ما " فأشبه الكلام الشرط وهذا كما أنه قال سيبويه الذي قام فله درهمان فيحسن دخول الفاء إذا كان القيام سبب الإعطاء وكذلك ترتيب هذه الآية فالمعنى إنما هو وما أذن الله فيه فهو الذي أصاب لكن قدم الأهم في نفوسهم والأقرب إلى حسهم والإذن التمكين من الشيء مع العلم به وقوله تعالى * (وليعلم) * معناه ليكون العلم مع وجود المؤمنين والمنافقين أي مساوقين للعلم الذي لم يزل ولا يزال واللام في قوله * (ليعلم) * متعلقة بفعل مقدر في آخر الكلام والإشارة بقوله * (نافقوا) * وقيل لهم هي إلى
(٥٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 533 534 535 536 537 538 539 540 541 542 543 ... » »»