المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٤٩٠
* (منهم المؤمنون) * تنبيه على حال عبد الله بن سلام وأخيه وثعلبة بن سعية وغيرهم ممن آمن ثم حكم الله على أكثرهم بالفسق في كفره لأنهم حرفوا وبدلوا وعاندوا بعد معرفتهم بحقيقة أمر محمد صلى الله عليه وسلم فهم كفار فسقة في الكفر قد جمعوا المذمتين سورة آل عمران 111 - 112 قوله تعالى * (لن يضروكم إلا أذى) * معناه لن يصيبكم منهم ضرر في الأبدان ولا في الأموال وإنما هو أذى بالألسنة فالاستثناء متصل وقال الحسن وقتادة وغيرهما الأذى هو تحريفهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم إياه قال القاضي أبو محمد وتنقصهم المؤمنين وطعنهم عليهم جملة وأفرادا وهذا كله عظيم مقلق وبسببه استحقوا القتل والإجلاء وضرب الجزية لكن أراد الله تعالى بهذه الآية أن يلحظهم المؤمنون بعين الاحتقار حتى لا يصدوا أحدا عن يدنه ولا يشغلوه عن عبادة ربه وهكذا هي فصاحة العرب ومن هذا المعنى في التحقير قول ثمامة بن أثال يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن شئت المال فاسأل منه ما شئت فقوله ذا دم روي بالذال منقوطة وبالدال غير منقوطة فذم بفتح الذال وبكسرها أراد بها الذمام وأما الدال غير منقوطة فيحتمل أنه أراد التعظيم لأمر نفسه وذلك بأحد وجهين إما أن يريد الوعيد أي تقتل ذا دم مطلوب بثأره له حماة فاحذر عاقبة ذلك وإما أن يريد تقتل ملكا يستشفى بدمه كما كانت العرب تعتقد في دماء الملوك فهذا استعطاف لا وعيد أي لا ينبغي ذلك أن تفسد مثلي وهذا كما استعطف الأشعث بن قيس أبا بكر رضي الله عنه بهذا المعنى ويحتمل كلام ثمامة أنه أراد تحقير أمر نفسه وليذهب عن نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم المسرة بنيل مثل هذا الأمر العظيم ويجري ذلك مجرى قول أبي جهل لعبد الله بن مسعود وهل أعمد من رجل قتلتموه ومثله قول الأسير لعمر بن عبد العزيز حين أنه قال له لأقتلنك أنه قال إن ذلك لا ينقص من عدد الخزر شيئا فكأن ثمامة أراد إن تقتلني تقتل حيوانا حقيرا شأنه كما يقتل كل ذي دم فما بالك تفعل ذلك وتدع الإنعام علي فالآية تنظر إلى هذا المعنى من جهة أنه حقر عند المؤمنين ما هو عظيم في نفسه تنبيها لهم وأخبر الله تعالى في قوله * (وإن يقاتلوكم) * الآية بخبر غيب صححه الوجود فهي من آيات محمد صلى الله عليه وسلم وفائدة الخبر هي في قوله * (ثم لا ينصرون) * أي لا تكون حربهم معكم سجالا وخص * (الأدبار) * بالذكر دون الظهر تخسيسا للفار وهكذا هو حيث تصرف وقوله * (ضربت) * معناه أثبتت بشدة والتزام مؤكد وهذا وصف حال تقررت على اليهود في أقطار
(٤٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 485 486 487 488 489 490 491 492 493 494 495 ... » »»