المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٥٠١
وتحاوز الناس هذا مختصر من القصة يتركب عليه تفسير الآية وأمر أحد بطوله وما تخلله من الأفعال والأقوال مستوعب في كتب السير وليس هذا التعليق مما يقتضي ذكره وحكى مكي عن السدي ما يظهر منه أن القتال كان يوم الجمعة وحكى عنه الطبري أن نزول أبي سفيان بأحد كان في الثالث من شوال وذلك كله ضعيف وقال النقاش وقعة أحد في الحادي عشر من شوال وذلك خطأ أنه قال الطبري وغيره فغدو رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة إلى التدبير مع الناس واستشارتهم هو الذي عبر عنه بقوله تعالى * (تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال) * قال القاضي ولا سيما أن غدو النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان ورأيه أن لا يخرج الناس فكان لا يشك في نفسه أن يقسم أقطار المدينة على قبائل الأنصار وقال غير الطبري بل نهوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة بعد الصلاة هو غدوه وبوأ المؤمنين في وقت حضور القتال وقيل ذلك في ليلته وسماه غدوا إذ كان قد اعتزم التدبير والشروع في الأمر من وقت الغدو قال القاضي أبو محمد ولا سيما أن صلاة الجمعة ربما كانت قبل الزوال حسبما وردت بذلك أحاديث فيجيء لفظ الغدو متمكنا وقيل إن الغدو المذكور هو غدوة يوم السبت إلى القتال ومن حيث لم يكن في تلك الليلة موافقا للغدو فهو كأنه كان في أهله وبوأ المسلمين بأمره الرماة وبغير ذلك من تدبيره مصاف الناس و * (تبوئ) * معناه تعين لهم مقاعد يتمكنون فيها ويثبتون تقول تبوأت مكان كذا إذا حللته حلولا متمكنا تثبت فيه ومنه قول تعالى * (نتبوأ من الجنة حيث نشاء) * الزمر 74 ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ومنه قول الشاعر (كم صاحب لي صالح * بوأته بيدي لحدا) مجزوء الكامل مرفل ومنه قول الأعشى (وما بوأ الرحمن بيتك منزلا * بشرقي أجياد الصفا والمحرم) الطويل وقوله تعالى * (مقاعد) * جمع مقعد وهو مكان القعود وهذا بمنزلة قولك مواقف ولكن لفظة القعود أدل على الثبوت ولا سيما أن الرماة إنما كانوا قعودا وكذلك كانت صفوف المسلمين أولا والمبارزة والسرعان يجولون وقوله * (والله سميع) * أي ما تقول ويقال لك وقت المشاورة وغيره و * (إذ) * الثانية بدل من الأولى و * (همت) * معناه أرادت ولم تفعل والفشل في هذا الموضع هو الجبن الذي كاد يلحق بني سلمة وبني حارثة والفشل في البدن هو الإعياء والتبليح والفشل في الرأي هو العجز والحيرة وفساد العزم وقال جابر بن عبد الله ما وددنا أنها لم تنزل لقوله تعالى * (والله وليهما) * وقوله * (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * أمر في ضمنه التغبيط للمؤمنين بمثل ما فعله بنو حارثة وبنو سلمة من المسير مع النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ عبد الله بن مسعود تبوىء للمؤمنين بلام الجر وقرأ والله وليهم على معنى الطائفتين لا على اللفظ
(٥٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 496 497 498 499 500 501 502 503 504 505 506 ... » »»