لما مضت الضمائر في الكفر والقتل والعصيان والاعتداء عامة في جميع أهل الكتاب عقب ذلك بتخصيص الذين هم على خير وإيمان وذلك أن أهل الكتاب لم يزل فيهم من هو على استقامة فمنهم من مات قبل أن يدرك الشرائع فذلك من الصالحين ومنهم من أدرك الإسلام فدخل فيه قال القاضي أبو محمد ويعترض هذا النظر أن جميع اليهود على عوج من وقت عيسى وتجيء الآية إشارة إلى من أسلم فقط أو يكون اليهود في معنى الأمة القائمة إلى وقت عيسى ثم ينتقل الحكم في النصارى ولفظ * (أهل الكتاب) * يعم الجميع والضمير في * (ليسوا) * لمن تقدم ذكره في قوله * (منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) * آل عمران 110 وما أنه قال أبو عبيدة من أن الآية نظيرة قول العرب أكلوني البراغيث خطأ مردود وكذلك أيضا ما حكي عن الفراء أن * (أمة) * مرتفعة ب * (سواء) * على أنها فاعلة كأنه أنه قال لا تستوي أمة كذا وإن في آخر الكلام محذوفا معادلا تقديره وأمة كافرة فأغنى القسم الأول عن ذكرها ودل عليه كما أنه قال أبو ذؤيب (عصيت إليها القلب إني لأمرها * سميع فما أدري أرشد طلابها) المعنى أم غي فاقتصر لدلالة ما ذكر عليه قال القاضي أبو محمد وإنما الوجه أن الضمير في * (ليسوا) * يراد به من تقدم ذكره و * (سواء) * خبر ليس و * (من أهل الكتاب) * مجرور فيه خبر مقدم و * (أمة) * رفع بالابتداء أنه قال ابن عباس رضي الله عنهما لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية واسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود معهم أنه قال الكفار من أحبار اليهود ما آمن بمحمد إلا شرارنا ولو كانوا خيارا ما تركوا دين آبائهم فأنزل الله تعالى في ذلك * (ليسوا سواء) * الآية وقال مثله قتادة وابن جريج قال القاضي أبو محمد وهو أصح التأويلات وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه معنى الآية ليس اليهود وأمة محمد سواء وقاله السدي قال القاضي أبو محمد فمن حيث تقدم ذكر هذه الأمة في قوله * (كنتم خير أمة) * آل عمران 110 وذكر أيضا اليهود أنه قال الله لنبيه * (ليسوا سواء) * و * (الكتاب) * على هذا جنس كتب الله وليس بالمعهود من التوراة والإنجيل فقط والمعنى * (من أهل الكتاب) * وهم أهل القرآن أمة قائمة واختلف عبارة المفسرين في قوله * (قائمة) * فقال مجاهد معناه عادلة وقال قتادة والربيع وابن عباس معناه قائمة على كتاب الله وحدوده مهتدية وقال السدي القائمة القانتة المطيعة قال القاضي أبو محمد وهذا كله يرجع إلى معنى واحد من الاعتدال على أمر الله ومنه قيل للدنانير أو الدراهم الوازنة قائمة وهذه الآية تحتمل هذا المعنى وأن لا تنظر اللفظة إلى هيئة الأشخاص وقت تلاوة آيات الله ويحتمل أن يراد ب * (قائمة) * وصف حال التالين في * (آناء الليل) * ومن كانت هذه حاله فلا محالة أنه معتدل على أمر الله وهذه الآية في هذين الاحتمالين مثل ما تقدم في قوله * (إلا ما دمت عليه قائما) *
(٤٩٢)