التشبيه بين شيئين وشيئين ذكر الله عز وجل أحد الشيئين المشبهين وترك ذكر الآخر ثم ذكر أحد الشيئين المشبه بهما وليس الذي يوازي المذكور الأول وترك ذكر الآخر ودل المذكور أن على المتروكين وهذه غاية البلاغة والإيجاز ومثل ذلك قوله تعالى * (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع) * البقرة 171 وقرأ عبد الرحمن بن هرمز الأعرج تنفقون بالتاء على معنى قل لهم يا محمد و * (مثل) * رفع بالابتداء وخبره في محذوف به تتعلق الكاف من قوله * (كمثل) * و " ما " بمعنى الذي وجمهور المفسرين على أن * (ينفقون) * يراد به الأموال التي كانوا ينفقونها في التحنث وفي عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك عندهم قربة وقال السدي * (ينفقون) * معناه من أقوالهم التي يبطنون ضدها قال القاضي أبو محمد وهذا ضعيف لأنه يقتضي أن الآية في منافقين والآية إنما هي في كفار يعلنون مثل ما يبطنون وذهب بعض المفسرين إلى أن * (ينفقون) * يراد به أعمالهم من الكفر ونحوه أي هي كالريح التي فيها صر فتبطل كل ما لهم من صلة رحم وتحنث بعتق ونحوه كما تبطل الريح الزرع وهذا قول حسن لولا بعد الاستعارة في الإنفاق والصر البرد الشديد المحرق لكل ما يهب عليه وهو معروف أنه قال ابن عباس وجمهور المفسرين الصر البرد وتسميه العرب الضريب وذهب الزجاج وغيره إلى أن اللفظة من التصويت من قولهم صر الشيء ومنه الريح الصرصر أنه قال الزجاج فالصر صوت النار التي في الريح قال القاضي الصر هو نفس جهنم الذي في الزمهرير يحرق نحوا مما تحرق النار والحرث شامل للزرع والثمار لأن الجميع مما يصدر عن إثارة الأرض وهي حقيقة الحرث ومنه الحديث لا زكاة إلا في عين أو حرث أو ماشية وقال عز وجل * (ظلموا أنفسهم) * فما بال هذا التخصيص والمثل صحيح وإن كان الحرث لمن لم يظلم نفسه فالجواب أن ظلم النفس في هذه الآية تأوله جمهور المفسرين بأنه ظلم بمعاصي الله فعلى هذا وقع التشبيه بحرث من هذه صفته إذ عقوبته أوخى وأخذ الله له أشد والنقمة إليه أسرع وفيه أقوى كما روي في جوف العير وغيره وأيضا فمن أهل العلم من يرى أن كل مصائب الدنيا فإنما هي بمعاصي العبيد وينتزع ذلك من غير ما آية في القرآن فيستقيم على قوله إن كل حرث تحرقه ريح فإنما هو لمن قد ظلم نفسه وذهب بعض الناس ونحا إليه المهدوي إلى أن قوله تعالى * (حرث قوم ظلموا أنفسهم) * معناه زرعوا في غير أوان الزراعة قال أبو محمد وينبغي أن يقال في هذا * (ظلموا أنفسهم) * بأن وضعوا أفعال الفلاحة غير موضعها من وقت أو هيئة عمل ويخص هؤلاء بالذكر لأن الحرق فيما جرى هذا المجرى أو عب وأشد تمكنا وهذا المنزع يشبهه من جهة ما قول امرئ القيس (وسالفة كسحوق الليان * أضرم فيها الغوي السعر) المتقارب فخصص الغوي لأنه يلقي النار في النخلة الخضراء الحسنة التي لا ينبغي أن تحرق فتطفىء النار عن نفسها رطوبتها بعد أن تتشذب وتسود فيجيء الشبه حسنا والرشيد لا يضرم النار إلا فيما يبس واستحق فهو يذهب ولا يبقى منه ما يشبه به والضمير في * (ظلمهم) * للكفار الذين تقدم ضميرهم في * (ينفقون) *
(٤٩٥)