أحكام القرآن - ابن العربي - ج ٤ - الصفحة ٣٣٢
وفي الأثر لا رهبانية ولا تبتل في الإسلام ومنه مريم العذراء البتول أي التي انقطعت عن الرجال وتسمى فاطمة بنت رسول الله البتول لانقطاعها عن نساء زمانها في الفضل والدين والنسب والحسب وهذا قول أحدثته الشيعة وإلا فقد اختلف الناس في التفضيل بينها وبين عائشة وليست من المسائل المهمة وكلتاهما من الدين والجلال في الغاية القصوى وربك أعلم بمن هو أفضل وأعلى وقد أشرنا إليه في كتاب المشكلين وشرح الصحيحن المسألة الثانية قد تقدم في سورة المائدة في تفسير قوله تعالى (* (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) *) المائدة 87 حال الدين في الكراهية لمن تبتل فيه وانقطع وسلك سبيل الرهبانية بما يغني عن إعادته وأما اليوم وقد مرجت عهود الناس وخفت أماناتهم واستولى الحرام على الحطام فالعزلة خير من الخلطة والعزبة أفضل من التأهل ولكن معنى الآية انقطع عن الأوثان والأصنام وعن عبادة غير الله وكذلك قال مجاهد معناه أخلص له العبادة ولم يرد انقطع عن الناس والنساء وهو اختيار البخاري لأجل ما روي من نهي النبي عن التبتل فصار التبتل مأمورا به في القرآن منهيا عنه في السنة ومتعلق الأمر غير متعلق النهي إذ لا يتناقضان وإنما بعث النبي ليبين للناس ما نزل إليهم فالتبتل المأمور به الانقطاع إلى الله بإخلاص العبادة كما قال (* (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) *) البينة 5 والتبتل المنهي عنه هو سلوك مسلك النصارى في ترك النكاح والترهب في الصوامع لكن عند فساد الزمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن
(٣٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 326 327 328 329 330 332 333 334 335 336 337 ... » »»