أحكام القرآن - ابن العربي - ج ٣ - الصفحة ١٧٣
وراكع لا يرفع عن ركوعه وساجد لا يتفصى من سجوده فجمع الله لبنى آدم عبادات الملائكة في عبادة واحدة وقد جاء في الحديث ' إن العبد إذا نام في سجوده باهى الله به ملائكته يقول يا ملائكتي انظروا عبدي روحه عندي وبدنه في طاعتي ' وصارت هذه الساعة في الأيام كليلة القدر في الليالي في معنى الإبهام لما بيناه من قبل في أن إبهامها أصلح للعباد من تعيينها لوجهين أحدهما أنها لو علمت وهتكوا حرمتها ما أمهلوا وإذا أبهمت عليهم عم عملهم اليوم كله والشهر كله كما أبهمت الكبائر في الطرف الآخر وهو جانب السيئات ليجتنب العبد الذنوب كلها؛ فيكون ذلك أخلص له فإذا أراد العبد تحصيل ليلة القدر فليقم الحول على رأي ابن مسعود أو الشهر كله على رأى آخرين أو العشر الأواخر على رأي كل أحد ولقد كنت في البيت المقدس ثلاثة أحوال وكان بها متعبد يترصد ساعة الجمعة في كل جمعة فإذا كان هذا يوم الجمعة مثلا خلا بربه من طلوع الفجر إلى الضحى ثم انصرف فإذا كان في الجمعة الثانية خلا بربه من الضحى إلى زوال الشمس فإذا كان في الجمعة الثالثة خلا بربه من زوال الشمس إلى العصر ثم انقلب فإذا كان في الجمعة الرابعة خلا بربه في العصر إلى مغرب الشمس فتحصل له الساعة في أربع جمع فاستحسن الناس ذلك منه وقال لنا شيخنا أبو بكر الفهري هذا لا يصح له؛ لأن من الممكن أن تكون في اليوم الذي يرصدها من الزوال إلى العصر تكون من العصر إلى الغروب وفي اليوم الذي تكون من العصر إلى الغروب يترصدها هو من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس إلى الضحى؛ إذ يمكن أن تنتقل في كل جمعة ولا تثبت على ساعة واحدة في كل يوم؛ يشهد لصحة ذلك انتقال ليلة القدر في ليالي الشهر؛ فإنها تكون في كل عام في ليلة لا تكون فيها في العام الآخر
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»