تفسير النسفي - النسفي - ج ١ - الصفحة ٢٨
البقرة (23 _ 24)) أن تسمى بالسورة التي هي الرتبة لأن السور بمنزلة المنازل والمراتب يترقى فيها القارئ وهى أيضا في نفسها مرتبة طوال وأوساط وقصار أو لرفعة شأنها وجلالة محلها في الدين وإن كانت منقلبة عن همزة فلأنها قطعة وطائفة من القرآن كالسؤرة التي هي البقية من الشئ وأما الفائدة في تفصيل القرآن وتقطيعه سورا فهي كثيرة ولذا أنزل الله تعالى التوراة والإنجيل والزبور وسائر ما أوحاه إلى أنبيائه مسورة مترجمة السور وبوب المصنفون في كل فن كتبهم أبوابا موشحة الصدور بالتراجم منها أن الجنس إذا انطوت تحته أنواع واشتمل على أصناف كان أحسن من أن يكون بيانا واحدا ومنها أن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأبعث على الدرس والتحصيل منه ولو استمر الكتاب بطوله ومن ثم جزأ القراء القرآن أسباعا وأجزاء وعشورا وأخماسا ومنها أن الحافظ إذا حذق السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة بنفسها لها فاتحة وخاتمة فيعظم عندما حفظه ويجل في نفسه ومنه حديث أنس رضي الله عنه كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جل فينا ومن ثم كانت القراءة في الصلاة بسورة تامة أفضل * (من مثله) * متعلق بسورة صفة لها والضمير لما نزلنا أي بسورة كائنة من مثله يعنى فأتوا بسورة مما هو على صفته في البيان الغريب وعلو الطبقة في حسن النظم أو لعبدنا أي فأتوا ممن هو على حاله من كونه أميا لم يقرأ الكتب ولم يأخذ من العلماء ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك ورد الضمير إلى المنزل أولى لقوله تعالى * (فأتوا بسورة مثله) * * (فأتوا بعشر سور مثله) * * (على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله) * و لأن الكلام مع رد الضمير إلى المنزل أحسن ترتيبا وذلك أن الحديث في المنزل لا في المنزل عليه وهو مسوق إليه فإن المعنى وإن ارتبتم في أن القرآن منزل من عند الله فهاتوا أنتم نبذا مما يماثله وقضية الترتيب لو كان الضمير مردودا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال وإن ارتبتم في أن محمدا منزل عليه فهاتوا قرآنا من مثله و لأن هذا التفسير يلائم قوله * (وادعوا شهداءكم) * جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة * (من دون الله) * أي غير الله وهو متعلق بشهداءكم أي ادعوا الذين اتخذتموهم آلهة من دون الله وزعمتم أنهم يشهدون لكم يوم القيامة انكم على الحق أو من يشهد لكم بأنه مثل القرآن * (إن كنتم صادقين) * أن ذلك مختلق و أنه من كلام محمد عليه السلام وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي أن كنتم صادقين في دعواكم فأتوا أنتم بمثله واستعينوا بآلهتكم على ذلك * (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة) * لما أرشدهم إلى الجهة التي منها يتعرفون صدق النبي عله السلام قال لهم فإذا لم تعارضوه وبان عجزكم ووجب تصديقه فآمنوا وخافوا العذاب المعد لمن كذب وعاند وفيه دليلا على إثبات النبوة صحة كون المتحدى به معجزا والاخبار بأنهم لن يفعلوا وهو غيب لا يعلمه إلا الله
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»