البقرة (25)) وصف عقاب الكافرين كقولك زيد يعاقب بالقيد والإرهاق وبشر عمرا بالعفو والإطلاق والبشارة الاخبار بما يظهر سرور المخبر به ومن ثم قال العلماء إذا قال لعبده أيكم بشرني بقدوم فلان فهو حر فبشروه فرادى عتق أولهم لأنه هو الذي أظهر سروره بخبره دون الباقين ولو قال اخبرني مكان بشرني عتقوا جميعا لأنهم أخبروه ومنه البشرى لظاهر الجلد وتباشير الصبح ما ظهر من أوائل ضوئه و اما فبشرهم بعذاب اليم فمن العكس في الكلام الذي يقصد به الاستهزاء الزائد في غيظ المستهزأبه كما يقول الرجل لعدوه ابشر بقتل ذريتك ونهب مالك والصالحة نحوالحسنة في جريها مجرى الاسم والصالحات كل ما استقام من الأعمال بدليل العقل والكتاب والسنة واللام للجنس و الآية حجة على من جعل الاعمال إيمانا لأنه عطف الأعمال الصالحة على الإيمان والمعطوف غير المعطوف عليه ولا يقال إنكم تقولون يجوز أن يدخل المؤمن الجنة بدون الأعمال الصالحة و الله تعالى بشر بالجنة لمن آمن وعمل صالحا لأن البشارة المطلقة بالجنة شرطها اقتران الأعمال الصالحة بالإيمان ولا نجعل لصاحب الكبيرة البشارة المطلقة بل نثبت بشارة مقيدة بمشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه ثم يدخله الجنة * (أن لهم جنات) * أي بان لهم جنات وموضع أن وما عملت فيه النصب يبشر عند سيبويه خلافا للخليل وهو كثير في التنزيل والجنة البستان من النخل والشجر المتكاثف والتركيب دائر على معنى الستر ومنه الجن والجنون و الجنين والجنة والجان والجنان وسميت دار الثواب جنة لما فيها من الجنان والجنة مخلوقة لقوله تعالى * (اسكن أنت وزوجك الجنة) * خلافا لبعض المعتزلة ومعنى جمع الجنة وتنكيرها أن الجنة اسم لدار الثواب كلها وهي متشلمة على جنان كثيرة مرتبة مراتب بحسب اعمال العاملين لكل طبقة منهم جنات من تلك الجنان * (تجري من تحتها الأنهار) * الجملة في موضع النصب صفة لجنات والمراد من تحت أشجارها كما ترى الأشجار النابتة على شواطئ الأنهار الجارية وأنهار الجنة تجرى في غير أخدود وأنزه البساتين ما كانت أشجارها مظلة والأنهار في خلالها مطردة والجرى الإطراد والنهر المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر يقال للنيل نهر مصر واللغة العالية نهر ومدار التركيب على السعة واسناد الجرى إلى الأنهار مجازى و إنما عرف الأنهار لأنه يحتمل أن يراد بها أنهارها فعوض التعريف باللام من تعريف الإضافة كقوله تعالى واشتعل الرأس شيبا أو يشار باللام إلى الأنهار المذكورة في قوله تعالى * (فيها أنهار من ماء غير آسن) * الآية والماء الجاري من النعمة العظمى واللذة الكبرى ولذا قرن الله تعالى الجنات بذكر الأنهار الجارية وقدمه على سائر نعوتها * (كلما رزقوا) * صفة ثانية لجنات أو جملة مستأنفة لأنه لما قيل إن لهم جنات لم يخل خلد السامع أن يقع فيه أثمار تلك الجنات أشباه ثمار جنات الدنيا أم أجناس أخر لا تشابه هذه الأجناس فقيل إن ثمارها أشباه
(٣٠)