تفسير النسفي - النسفي - ج ١ - الصفحة ٢٩
البقرة (24 _ 25)) ولما كان العجز عن المعارضة قبل التأمل كالمشكوك فيه لديهم لا تكالهم على فصاحتهم واعتمادهم على بلاغتهم سيق الكلام معهم على حسب حسبانهم فجئ بان الذي للشك دون إذا الذي للوجوب وعبر عن الاتيان بالفعل لأنه فعل من الأفعال والفائدة فيه أنه جار مجرى الكناية 2 التي تعطيك اختصارا إذ لو لم يعدل من لفظ الاتيان إلى لفظ الفعل لاستطيل أن يقال فإن لم تأتوا بسورة من مثله ولن تأتوا بسورة من مثله ولا محل لقوله ولن تفعلوا لأنها جملة اعتراضية وحسن هذا الاعتراض أن لفظ الشرط للتردد فقطع التردد بقوله ولت تفعلوا ولا ولن أختان في نفى المستقبل إلا أن في لن تأكيدا وعن الخليل أصلها لا أن وعند الفراء لا أبدلت الفها نونا وعند سيبويه حرف موضع لتأكيد نفى المستقبل و إنما علم أنه اخبار عن الغيب على ما هو به حتى صار معجزة لأنهم لو عارضوه بشئ لاشتهر فكيف والطاعنون فيه أكثر عددا من الذابين عنه وشرط في اتقاء النار انتفاء اتيانهم بسورة من مثله لأنهم إذا لم يأتوا بها وتبين عجزهم عن المعارضة صح عندهم صدق الرسول و إذا صح عندهم صدقه ثم لزموا العناد و أبوا الانقياد استوجبوا النار فقيل لهم أن استبنتم العجز فاتركوا العناد فوضع فاتقوا النار موضعه لأن اتقاء النار سبب ترك العناد وهو من باب الكناية وهى من شعب البلاغة وفائدته الايجاز الذي هو من حيلة القرآن والوقود ما ترفع به النار يعنى الحطب و اما المصدر فمضموم وقد جاء فيه الفتح وصلة الذي والتي يجب أن تكون معلوما للمخاطب فيحتمل أن يكونوا سمعوا من أهل الكتاب أو من رسول الله أو سمعوا قبل هذه الآية قوله تعالى نارا وقودها الناس والحجارة إنما جاءت النار منكرة ثم ومعرفة هنا لأن تلك الآية نزلت بمكة ثم نزلت هذه الآية بالمدينة مشارابها إلى ما عرفوه أولا ومعنى قوله تعالى وقودها الناس والحجارة أنها نار ممتازة عن غيرها من النيران بأنها تتقد بالناس والحجارة وهى حجارة الكبريت فهي أشد توقدا وابطأ خمودا وأنتن رائحة والصق بالبدن أو الأصنام المعبودة فهي أشد تحسيرا و إنما قرن الناس بالحجارة لأنهم قرنوا بها أنفسهم في الدنيا حيث عبدوها وجعلوها لله أندادا ونحوه قوله تعالى * (إنكم وما تعبدون من دون الله) * حصب جهنم أي حطبها فقرنهم بها محماة في نار جهنم ابلاغا في إيلامهم * (أعدت للكافرين) * هيئت لهم فيه دليل على أن النار مخلوقة خلافا لما يقوله جهم سنة الله في كتابه أن يذكر الترغيب مع الترهيب تنشيطا لا كتساب ما يزلف وتثبيطا عن اقثراف ما يتلف فلما ذكر الكفار وأعمالهم واوعدهم بالعقاب قفاه بذكر المؤمنين وأعمالهم وتبشيرهم بقوله * (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * والمأمور بقوله وبشر الرسول عليه السلام أو كل أحد وهذا أحسن لأنه يؤذن بأن الأمر لعظمه وفخامة شأنه محقوق بأن يبشر به كل من قدر على البشارة به وهو معطوف على فاتقوا كما تقول يا بنى تميم احذروا عقوبة ما جنيتم وبشر يا فلان بنى أسد بإحسانى إليهم أو جملة وصف ثواب المؤمنين معطوفة على جملة
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»