تفسير النسفي - النسفي - ج ١ - الصفحة ٢٤
البقرة (19)) فأنت مصيب وإن مثلها بهما جميعا فكذلك والصيب المطر الذي يصوب أي ينزل ويقع ويقال للسحاب صيب أيضا وتنكير صيب لأنه نوع من المطر شديد هائل كما نكرت النار في التمثيل الأول والسماء هذه المظلة وعن الحسن أنها موج مكفوف والفائدة في ذكر السماء والصيب لا يكون إلا من السماء أنه جاء بالسماء معرفة فأفاد أنه غمام اخذ بآفاق السماء ونفى أن يكون من سماء أي من أفق واحد من بين سائر الآفاق لأن كل أفق من آفاقها سماء ففي التعريف مبالغة كما في تنكير صيب وتركيبه وبنائه وفيه دليل على أن السحاب من السماء ينحدر منها يأخذ ماءه وقيل أنه يأخذ من البحر ويرتفع ظلمات مرفوع بالجار والمجرور لأنه قد قوى لكونه صفة لصيب بخلاف ما لو قلت ابتداء فيه ظلمات ففيه خلاف بين الأخفش وسيبويه والرعد الصوت الذي يسمع من السحاب لاصطكاك أجرامه أو ملك يسوق السحاب والبرق الذي يلمع من السحاب من برق الشئ بريقا إذا لمع والضمير في فيه يعود إلى الصيب فقد جعل الصيب مكانا للظلمات فإن أريد به السحاب فظلماته إذا كان أسحم مطبقا سحمته وتطبيقه مضموما اليهما ظلمة الليل و اما ظلمات المطر فظلمة تكاثفه بتتابع القطر وظلمة اظلال غمامه مع ظلمة الليل وجعل الصيب مكانا للرعد والبرق على إرادة السحاب به ظاهر وكذا أن أريد به المطر لأنهما متلبسان به في الجملة ولم يجمع الرعد والبرق لأنهما مصدران في الأصل يقال رعدت السماء رعدا وبرقت برقا فروعى حكم الأصل بأن ترك جمعهما ونكرت هذه الأشياء لأن المراد أنواع منها كأنه قيل فيه ظلمات داجية ورعد قاصف وبرق خاطف * (يجعلون أصابعهم في آذانهم) * الضمير لأصحاب الصيب وإن كان محذوفا كما في قوله أو هم قائلون لأن المحذوف باق معناه وإن سقط لفظه ولا محل ليجعلون لكونه مستأنفا لأنه لما ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن بالشدة والهول فكأن قائلا قال فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد فقيل يجعلون أصابعهم في آذانهم ثم قال فكيف حالهم مع مثل ذلك البرق فقال يكاد البرق يخطف ابصارهم و إنما ذكر الأصابع ولم يذكر الأنامل ورءوس الأصابع هي التي تجعل في الآذان اتساعا كقوله فاقطعوا أيديهما والمراد إلى الرسغ ولان في ذكر الأصابع من المبالغة ما ليس في ذكر الأنامل و إنما لم يذكر الأصبع الخاص الذي تسد به الأذن لأن السبابة فعالة من السب فكان اجتنابها أولى بآداب القرآن ولم يذكر المسبحة لأنها مستحدثة غير مشهورة * (من الصواعق) * متعلق بيجعلون أي من اجل الصواعق يجعلون أصابعهم في آذانهم والصاعقة قصفة رعد تنقض معها شقة نار قالوا تنقدح من السحاب إذا اصطكت أحرامه وهى نار لطيفة جديدة لا تمر بشئ إلا اتت عليه إلا أنها مع حدتها سريعة الخمود يحكى أنها سقطت على نخلة فأحرقت نحو نصفها ثم طفئت ويقال صعقته الصاعقة إذا أهلكته فصعق أي مات اما بشدة الصوت أو بالإحراق * (حذر الموت) * مفعول له والموت فساد بنية الحيوان أو
(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»