تفسير النسفي - النسفي - ج ١ - الصفحة ٢٣
البقرة (19)) بعد أن باعوه أو عن الضلالة بعد أن اشتروها لتنوع الرجوع إلى الشئ وعنه أو أراد أنهم بمنزلة المتحيرين الذين بقوا جامدين في مكانهم لا يبرحون ولا يدرون ايتقدمون أم يتأخرون * (أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق) * ثنى الله سبحانه وتعالى في شأنهم بتمثيل آخر لزيادة الكشف والإضاح شبه المنافق في التمثيل الأول المستوقد نارا وإظهار الإيمان بالإضاءة وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار وهنا شبه دين الإسلام بالصيب لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر وما يتعلق به من شبه الكفار بالظلمات وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق وما يصيبهم من الإفزاع والبلايا من جهة أهل الإسلام بالصواعق والمعنى أو كمثل ذوى صيب فحذف مثل لدلالة العطف عليه وذوى لدلالة يجعلون عليه والمراد كمثل قوم اخذتهم السماء بهذه الصفة فلقوا منها ما لقوا فهذا تشبيه أشياء بأسشياء إلا أنه لم يصرح بذكر المشبهات كما صرح في قوله * (وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسئ) * وقول امرئ القيس * كأن قلوب الطير رطبا ويابسا * لدى وكرها العناب والحشف البالي * بل جاء به مطويا ذكره على سنن الاستعارة والصحيح أن التمثيلين من جملة التمثيلات المركبة دون المفرقة لا يتكلف لواحد واحد شيء بقدر شبهه به بيانه أن العرب تأخذ أشياء فرادى معزولا بعضها من بعض لم يأخذ هذا بحجزة ذاك فتشبهها بنظائرها كما فعل امرئ القيس وتشبه كيفية حاصلة من مجموع أشياء قد تضامنت وتلاصقت حتى عادت شيئا واحدا بأخرى مثلها كقوله تعالى * (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها) * الآية فالمراد تشبيه حال اليهود في جهلها بما معها من التوراة بحال الحمار في جهله بما يحمل من أسفار الحكمة وتساوى الحالتين عنده من حمل أسفار الحكمة وحمل ما سواها من الأوقار لا يشعر من ذلك إلا بما يمر بدفيه من الكد والتعب وكقوله واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كما ءانزلنا من السماء فالمراد قلة بقاء زهرة الحياة الدنيا كقلة بقاء الخضر فهو تشبيه كيفية بكيفية فأما أن يراد تشبيه الأفراد بالأفراد غير منوط بعضها ببعض ومصيره شيئا واحدا فلا فكذلك لما وصف وقوع المنافقين في ضلالتهم وما خبطوا فيه من الحيرة والدهشة شبهت حيرتهم وشدة الأمر بما يكابد من طفئت ناره بعد إيقادها في ظلمة الليل وكذلك من أخذته السماء في الليلة المظلمة مع رعد وبرق وخوف من الصواعق والتمثيل الثاني أبلغ لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأمر ولذا أخروهم يتدرجون في مثل هذا من الأهون إلى الأغلظ وعطف أحد التمثيلين على الآخر بأولأنها في أصلها لتساوى شيئين فصاعدا في الشك عند البعض ثم استعيرت لمجرد التساوي كقولك جالس الحسن أو ابن سيرين تريد أنهما سيان في استصواب أن يجالسا وقوله تعالى * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * أي الآثم والكفور سيان في وجوب العصاين فكذا هنا معناه أن كيفية قصة المنافقين مشبهة لكيفيتى هاتين القصتين و أن الكيفيتين سواء في استقلال كل واحدة منهما بوجه التمثيل فبأيتهما مثلتها
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»