تفسير البغوي - البغوي - ج ٤ - الصفحة ٣٢٥
17 يقول الله تعالى (فكان عاقبتهما) يعني الشيطان وذلك الإنسان (أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين) قال ابن عباس ضرب الله هذا المثل ليهود بني النضير والمنافقين من أهل المدينة وذلك أن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بإجلاء بني النضير عن المدينة فدس المنافقون إليهم وقالوا لا تجيبوا محمدا إلى ما دعاكم ولا تخرجوا من دياركم فإن قاتلوكم فإنا معكم وإن أخرجكم خرجنا معكم فأجابوهم ودربوا على حصونهم وتحصنوا في ديارهم رجاء نصر المنافقين حتى جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم فناصبوه الحرب يرجون نصر المنافقين فخذلوهم تبرؤا منهم كما تبرأ الشيطان من برصيصا وخذله فكان عاقبة الفريقين النار قال ابن عباس رضي الله عنه فكان الرهبان بعد ذلك في بني إسرائيل لا يمشون إلا بالتقية والكتمان وطمع أهل الفسوق والفجور في الأحبار ورموهم بالبهتان والقبيح حتى كان أمر جريج الراهب فلما برأه الله مما رموا به انبسطت بعده الرهبان وظهروا للناس وكانت قصة جريج على ما أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد ثنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب ثنا يزيد بن هارون أنا جرير بن حازم ثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى ابن مريم عليه السلام وصاحب جريج وصاحب يوسف وكان جريج رجلا عابدا فاتخذ صومعته فكان فيها فأتته أمه وهو يصلي فقال يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت يا جريج فقال أي رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فقالت اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها فقالت إن شئتم لأفتنه لكم قال فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت هو من جريج فأتوه فاستنزلوه من صومعته وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال ما شأنكم قالوا زنيت بهذه البغية فولدت منك فقال أين الصبي فجاؤوا به فقال دعوني حتى أصلي فصلى فلما انصرف أتى الصبي وطعن في بطنه وقال يا غلام من أبوك قال فلان الراعي قال فاقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا نبني لك صومعتك من ذهب قال لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا وبينا صبي يرضع من أمه فمر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة فقالت أمه اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الثدي وأقبل عليه ونظر إليه فقال اللهم لا تجعلني مثله ثم أقبل على ثديه فجعل يرضع قال فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحكي ارتضاعه بأصبعه السبابة في فمه فجعل يمصها قال ومروا بجارية وهم يضربونها ويقولون زنيت وسرقت وهي تقول حسبي الله ونعم الوكيل فقالت أمه اللهم لا تجعل ابني مثلها فترك الرضاع ونظر إليها فقال اللهم اجعلني مثلها فهناك تراجعا الحديث فقالت مر رجل حسن الهيئة فقلت اللهم اجعل ابني مثله فقلت اللهم لا تجعلني مثله ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون زنيت وسرقت فقلت اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت اللهم اجعلني مثلها قال إن ذاك الرجل كان جبارا فقلت اللهم لا تجعلني مثله وإن هذه يقولون لها زنيت ولم تزن وسرقت ولم تسرق فقلت اللهم اعلني مثلها \
(٣٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 ... » »»