تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ١٨١
يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير ولا كلب إلا أكلوه ومن مات منهم أكلوه مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشارق وبحيرة طبرية وعن علي أنه قال منهم من طوله شبر ومنهم من هو مفرط في الطول وقال كعب هم نادرة ولد آدم وذلك أن آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم يتصلون بنا من جهة الأب دون الأم وذكر وهب بن منبه أن ذا القرنين كان رجلا من الروم ابن عجوز فلما بلغ كان عبدا صالحا قال الله له إني باعثك إلى أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بينهما طول الأرض إحداهما عند مغرب الشمس يقال لها ناسك والأخرى عند مطلعها يقال لها منسك وأمتان بينهما عرض الأرض إحداهما في القطر الأيمن يقال لها هويل والأخرى في قطر الأرض الأيسر يقال لها تأويل وأمم في وسط الأرض منهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج فقال ذو القرنين يا رب بأي قوة أكابرهم وبأي جمع أكاثرهم وبأي لسان أناطقهم قال الله عز وجل إني سأقويك وأبسط لك لسانك وأشد عضدك فلا يهولنك شيء وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء وأسخر لك النور والظلمة وأجعلهما من جنودك يهديك النور من أمامك وتحوطك الظلمة من ورائك فانطلق حتى أتى مغرب الشمس فوجد جمعا وعددا لا يحصيه إلا الله فكابرهم بالظلمة حتى جمعهم في مكان واحد فدعاهم الله الله وإلى عبادته فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه فعمد إلى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلم فدخلت في أجوافهم وبيوتهم فدخلوا في دعوته فجند من أهل المغرب جندا عظيما فانطلق يقودهم والظلمة تسوقهم حتى أتى هويل فعمل فيهم كعمله في ناسك ثم مضى حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس فعمل فيها وجند فيها جنودا كفعله في الأمتين ثم أخذ ناحية الأرض اليسرى فأتى تأويل فعمل فيها كعمله ثم عمد إلى الأمم التي في وسط الأرض فلما دنا مما يلي منقطع الترك نحو المشرق قالت له أمة صالحة من الإنس يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقا أشباه البهائم يفترسون الدواب والوحوش لهم أنياب وأضراس كالسباع يأكلون الحيات والعقارب وكل ذي روح خلق في الأرض وليس يزداد خلق كزيادتهم ولا شك أنهم سيملؤون الأرض ويظهرون علينا ويفسدون فيها فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا قال ما مكني فيه ربي خير قال اعدوا إلي الصخرة والحديد والنحاس حتى أعلم علمهم فانطلق حتى توسط بلادهم فوجدهم على مقادر واحد يبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا لهم مخاليب كالأظفار في أيدينا وأنياب وأضراس كالسباع ولهم هدب من الشعر في أجسادهم يواريهم ويتقون به من الحر والبرد ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان يفترش إحداهما ويلتحف بالأخرى يصيف في إحداهما ويشتو في الأخرى يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا فلما عاين ذلك ذو القرنين انصرف إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما فحفر له الأساس حتى بلغ الماء وجعل حشوه الصخر وطينه النحاس يذاب فيصب عليه فصار كأنه عرق من جبل تحت الأرض قوله تعالى (مفسدون في الأرض) قال الكلبي فسادهم أنهم كانوا يخرجون أيام
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»