تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ١٢٧
وما هن قالوا أن لا ننحني أي في الصلاة ولا نكسر أصنامنا بأيدينا وأن تمنعنا باللات سنة من غير أن نعبدها فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود وأما أن تكسروا أصنامكم بأيديكم فذاك لكم وأما الطاغية يعني اللات والعزى فإني غير ممتعكم بها \ فقالوا يا رسول الله إنا نحب أن تسمع العرب أنك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا فإن خشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا فقل الله أمرني بذلك فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فطمع القوم في سكوته أن يعطيهم ذلك فأنزل الله عز وجل هذه الآية (وإن كادوا ليفتنونك) ليصرفونك (عن الذي أوحينا إليك) (لتفتري) لتختلق (علينا غيره وإذا) لو قلعت ما دعوك إليه (لاتخذوك خليلا) أي وآلوك وصافوك 74 (ولولا أن ثبتناك) على الحق بعصمتنا (لقد كدت تركن) أي تميل (إليهم شيئا قليلا) أي قريبا من الفعل فإن قيل كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما فكيف يجوز أن يقرب مما طلبوه وما طلبوه كفر قيل كان ذلك خاطر قلب ولم يكن عزما وقد عفا الله عز وجل عن حديث النفس قال قتادة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعد ذلك \ اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين \ والجواب الصحيح هو أن الله تعالى قال (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا) وقد ثبته الله ولم يركن وهذا مثل قوله تعالى (ولولا فضل الله ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) وقد تفضل فلم يتبعوا 75 (إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) أي لو فعلت ذلك لأذقناك ضعف عذاب الحياة وضعفت عذاب الممات يعني أضعفنا لك العذاب في الدنيا والآخرة وقيل الضعف هو العذاب سمي ضعفا لتضاعف الألم فيه (ثم لا تجد لك علينا نصيرا) أي ناصرا يمنعك من عذابنا 76 قوله تعالى (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها) اختلفوا في معنى الآية فقال بعضهم هذه الآية مدنية قال الكلبي لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كره اليهود مقامه بالمدينة حسد منهم فأتوه وقالوا يا أبا القاسم لقد علمت ما هذه بأرض الأنبياء فإن أرض الأنبياء الشام وهي الأرض المقدسة وكان بها إبراهيم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن كنت نبيا مثلهم فأت الشام وإنما يمنعك من الخروج إليها مخافتك الروم وإن الله سيمنعك من الروم إن كنت رسوله فعسكر النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أميال من المدينة وفي رواية إلى ذي الحليفة حتى يجتمع إليه أصحابه ويخرج فأنزل الله هذه الآية (والأرض) هاهنا هي المدينة وقال مجاهد وقتادة الأرض أرض مكة والآية مكية هم المشركون أن يخرجوه منا فكفهم الله عنه حتى أمره بالهجرة فخرج بنفسه وهذا أليق بالآية لأن ما قبلها خبر عن أهل مكة والسورة مكية وقيل هم الكفار كلهم أرادوا أن يستفزوه من أرض العرب باجتماعهم وتظاهرهم عليه فمنع الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ولم ينالوا منه ما أملوا والاستفزاز هو الإزعاج بسرعة (وإذا لا يلبثون خلافك) أي بعدك وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص ويعقوب هذا (خلافك) اعتبارا بقوله تعالى (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله) ومعناهما واحد
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»