تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٧٤
سورة البقرة 56 57 يمكنهم المضي لأمر الله تعالى قالوا يا موسى كيف نفعل فأرسل الله تعالى عليهم ضبابة وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضا فكانوا يقتلونهم إلى المساء فلما كثر القتل دعا موسى وهارون عليهما السلام وبكيا وتضرعا وقالا يا رب هلكت بنو إسرائيل البقية البقية فكشف الله تعالى السحابة وأمرهم أن يكفوا عن القتل فكشف عن ألوف من القتلى يروى عن علي رضي الله عنه أنه قال كان عدد القتلى سبعين ألفا فاشتد ذلك على موسى فأوحى الله تعالى إليه أما يرضيك أن أدخل القاتل والمقتول الجنة فكان من قتل منهم شهيدا ومن بقي مكفر عنه ذنوبه فذلك قوله تعالى (فتاب عليكم) أي ففعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم فتجاوز عنكم (إنه هو التواب) القابل للتوبة (الرحيم) بهم 55 قوله تعالى (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) وذلك أن الله تعالى أمر موسى عليه السلام أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل فاختار موسى سبعين رجلا من قومه من خيارهم وقال لهم صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم ففعلوا فخرج بهم موسى إلى طور سيناء لميقات ربه فقالوا لموسى اطلب لنا أن نسمع كلام ربنا فقال أفعل فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام وتغشى الجبل كله فدخل في الغمام وقال للقوم ادنوا فدنا القوم حتى دخلوا في الغمام وخروا سجدا وكان موسى إذا كلمه ربه وقع على وجهه نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إلي فضرب دونهم الحجاب وسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه وأسمعهم الله إني أنا الله لا إله إلا أنا ذوبكة أخرجتكم من أرض مصر بيد شديدة فاعبدوني ولا تعبدوا غيري فلما فرغ موسى وانكشف الغمام أقبل إليهم فقالوا له لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة معاينة وذلك أن العرب تجعل العلم بالقلب رؤية فقال جهرة ليعلم أن المراد منه العيان (فأخذتكم الصاعقة) أي الموت وقيل نار جاءت من السماء فأحرقتهم (وأنتم تنظرون) أي ينظر بعضكم لبعض حين أخذكم الموت وقيل تعلمون والنظر يكون بمعنى العلم فلما هلكوا جعل موسى يبكي ويتضرع ويقول ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد هلك خيارهم لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا فلم يزل يناشد ربه حتى أحياهم الله تعالى رجلا رجلا بعدما ماتوا يوما وليلة ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون فذلك قوله تعالى
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»