تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٢٨٠
تعالى (سأنبئك بتأويل ما لم تسطع عليه صبرا) وقيل ابتغاء عاقبته وطلب أجل هذه الأمة من حساب الجمل دليله قوله تعالى (ذلك خير وأحسن تأويلا) أي عاقبة قوله تعالى (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) اختلف العلماء في نظم هذه الآية فقال قوم الواو في قوله (والراسخون) واو العطف يعني أن تأويل المتشابه يعلمه الله ويعلمه الراسخون في العلم وهم مع علمهم (يقولون آمنا به) وهذا قول مجاهد والربيع وعلى هذا يكون قوله (يقولون) حالا معناه والراسخون في العلم مع علمهم قائلين آمنا به هذا كقوله تعالى (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى) ثم قال (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم) إلى أن قال (والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم) ثم قال (والذين جاءوا من بعدهم) وهذا عطف على ما سبق ثم قال (يقولون ربنا اغفر لنا) يعني هم مع استحقاقهم للفيء يقولون ربنا اغفر لنا أي قائلين على الحال وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول في هذه الآية إنا من الراسخين في العلم وقال مجاهد إنا ممن يعلم تأويله وذهب الأكثرون إلى أن الواو في قوله (والراسخون) واو الاستئناف وتم الكلام عند قوله (وما يعلم تأويله إلا الله) وهو قول أبي بن كعب وعائشة وعروة بن الزبير رضي الله عنهم ورواية طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما وبه قال الحسن وأكثر التابعين واختاره الكسائي والفراء والأخفش وقالوا لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله ويجوز أن يكون في القرآن تأويل استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه كما استأثر بعلم الساعة ووقت طلوع الشمس من مغربها وخروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام ونحوها والخلق متعبدون في المتشابه بالإيمان به وفي المحكم بالإيمان به والعمل ومما يصدق ذلك قراءة عبد الله (إن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا) وفي حرف أبي (ويقول الراسخون في العلم آمنا به) وقال عمر بن عبد العزيز في هذه الآية انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا آمنا به كل من عند ربنا وهذا القول أقيس في العربية وأشبه بظاهر الآية قوله تعالى (والراسخون في العلم) أي الداخلون في العلم هم الذين أتقنوا علمهم بحيث لا يدخل في معرفتهم شك وأصله من رسوخ الشيء في الشيء وهو ثبوته يقال رسخ الإيمان في قلب فلان يرسخ رسخا ورسوخا وقيل الراسخون في العلم مؤمنوا أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وأصحابه دليله قوله تعالى (لكن الراسخون في العلم منهم) يعني الدارسون علم التوراة والإنجيل وسئل مالك بن أنس رضي الله عنه عن الراسخين في العلم قال العالم العامل بما علم المتبع لما علم وقيل الراسخ في العلم من وجد في علمه أربعة أشياء التقوى بينه وبين الله والتواضع بينه وبين الخلق والزهد بينه وبين الدنيا والمجاهدة بينه وبين نفسه وقال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد والسدي بقولهم آمنا به سماهم الله تعالى راسخين في العلم فرسوخهم في العلم قولهم آمنا به أي بالمتشابه (كل من عند ربنا) المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ وما علمنا وما لم نعلم (وما يذكر) ما يتعظ بما في القرآن (إلا أولوا الألباب) ذوو العقول
(٢٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 ... » »»