تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ١٧٤
عبد الله أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنه قال كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة فيها فأنزل الله تعالى (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) في مواسم الحج قرأ ابن عباس كذا وروي عن أبي أمامة التيمي قال قلت لابن عمر إنا قوم نكري في هذا الوجه يعني إلى مكة فيزعمون أن لا حج لنا فقال ألستم تحرمون كما يحرمون وتطوفون كما تطوفون وترمون كما يرمون قلت بلى قال أنت حاج جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الذي سألتني عنه فلم يجبه بشيء حتى نزل جبريل بهذه الآية (ليس عليكم جناح) أي حرج أن تبتغوا فضلا من ربكم يعني بالتجارة في مواسم الحج (فإذا أفضتم) دفعتم والإفاضة دفع بكثرة وأصله من قول العرب أفاض الرجل ماءه أي صبه (من عرفات) هي جمع عرفة جمعت عرفة بما حولها وإن كانت بقعة واحدة كقولهم ثوب أخلاق واختلفوا في المعنى الذي لأجله سمي الموقف عرفات واليوم عرفة فقال عطاء كان جبريل عليه السلام يري إبراهيم عليه السلام المناسك ويقول أعرفت فيقول عرفت فسمي ذلك المكان عرفات واليوم عرفة وقال الضحاك إن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض وقع بالهند وحواء بجدة فجعل كل واحد منهما يطلب صاحبه فاجتمعا بعرفات يوم عرفة وتعارفا فسمي اليوم يوم عرفة والموضع عرفات وقال السدي لما أذن إبراهيم في الناس بالحج وأجابوه بالتلبية وأتاه من أتاه أمره الله أن يخرج إلى عرفات ونعتها له فخرج فلما بلغ الجمرة عند العقبة استقبله الشيطان ليرده فرماه بسبع حصيات فكبر مع كل حصاة فطار فوقع على الجمرة الثانية فرماه وكبر فطار فوقع على الجمرة الثالثة فرماه فكبر فلما رأى الشيطان أنه لا يطيعه ذهب فانطلق إبراهيم حتى أتى ذا المجاز فلما نظر إليه لم يعرفه فجاز فسمي ذا المجاز ثم انطلق حتى وقف بعرفات فعرفها بالنعت فسمي الوقت عرفة والموضع عرفات حتى إذا أمسى ازدلف أي قرب إلى جمع فسمي المزدلفة وروي عن أبي صالح عن ابن عباس أن إبراهيم عليه السلام رأى ليلة التروية في منامه أنه يؤمر بذبح ابنه فلما أصبح روى يومه أجمع أي فكر أمن الله تعالى هذه الرؤيا أم من الشيطان فسمي اليوم يوم التروية ثم رأى ذلك ليلة عرفات ثانيا فلما أصبح عرف أن ذلك من الله تعالى فسمي اليوم يوم عرفة وقيل سمي بذلك لعلو الناس فيه على جباله والعرب تسمي ما علا عرفة ومنه سمي عرف الديك لعلوه وقيل سمي بذلك لأن الناس يعترفون في ذلك اليوم بذنوبهم وقيل سمي بذلك من العرف وهو الطيب وسمي منى لأنه يمنى فيه الدم أي يصب فيه فيكون فيه الفروث والدماء ولا يكون الموضع طيبا وعرفات طاهرة عنها فتكون طيبة قوله تعالى (فاذكروا الله) بالدعاء والتلبية (عند المشعر الحرام) وهو ما بين جبلي المزدلفة من مرمى عرفة إلى المحسر وليس المأزمان ولا المجسر من المشعر الحرام وسمي مشعرا من الشعار وهي العلامة لأنه من معالم الحج وأصل الحرام من المنع فهو ممنوع أن يفعل فيه ما لم يؤذن فيه وسمي المزدلفة جمعا لأنه يجمع فيه بين صلاة المغرب والعشاء والإفاضة من عرفات تكون بعد غروب الشمس ومن جمع قبل طلوعها من يوم النحر قال طاوس كان أهل الجاهلية يدفعون من عرفة
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»