تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ١٤٩
سورة البقرة 184 من أهل العلم أراد أن صيام رمضان كان واجبا على النصارى كما فرض علينا فربما كان يقع في الحر الشديد والبرد الشديد وكان يشق عليهم في أسفارهم ويضرهم في معايشهم فاجتمع رأي علمائم ورؤسائهم على أن يجعلوا صيامهم في فصل من السنة بين الشتاء والصيف فجعلوه في الربيع وزادوا فيه عشرة أيام كفارة لما صنعوا فصار أربعين ثم إن ملكا لهم اشتكى فمه فجعل لله عليه إن هو برأ من وجعه أن يزيد في صومهم أسبوعا فبرأ فزاد فيه أسبوعا ثم مات ذلك الملك ووليهم ملك آخر فقال أتموه خمسين يوما وقال مجاهد أصابهم موتان فقالوا زيدوا في صيامكم فزاد فيه عشرا قبل وعشرا بعد قال الشعبي لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيك فيقال من شعبان ويقال من رمضان وذلك أن النصارى فرض الله علييهم شهر رمضان فصاموا قبله يوما وبعده يوما ثم لم يزل الآخر يستن بسنة القرن الذي قبله حتى صاروا إلى خمسين يوما فذلك قوله تعالى (كما كتب على الذين من قبلكم) (لعلكم تتقون) يعني بالصوم لأن الصوم وصلة إلى التقوى لما فيه من قهر النفس وكسر الشهوات وقيل (لعلكم تتقون) تحذرون عن الشهوات من الأكل والشرب والجماع 184 (أياما معدودات) قيل كان في ابتداء الإسلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر واجبا وصوم يوم عاشوراء فصاموا كذلك من الربيع إلى شهر رمضان سبعة عشر شهرا ثم نسخ بصوم رمضان قال ابن عباس أول ما نسخ بعد الهجرة أمر القبلة والصوم ويقال نزل صوم شهر رمضان قبل بدر بشهر وأيام قال محمد بن إسحاق كانت غزوة بدر يوم الجمعة لسبع عشر ليلة خلت من شهر رمضان على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة دثنا أبو الحسن الشيرازي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه وقيل المراد من قوله (أياما معدودات) شهر رمضان وهي غير منسوخة ونصب (أياما) على الظرف أي في أيام معدودات وقيل على التفسير وقيل على هو خير ما لم يسم فاعله (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة) أي فأفطر فعدة (من أيام أخر) أي فعليه عدة والعدد والعدة واحد من أيام أخر أي غير أيام مرضه وسفره و (أخر) في موضع خفض لكنها لا تنصرف فلذلك نصبت قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه) اختلف العلماء في تأويل هذه الآية وحكمها فذهب أكثرهم إلى أن الآية منسوخة وهو قول ابن عمرو سلمة بن الأكوع وغيرهما وذلك أنهم كانوا في ابتداء الإسلام مخيرين بين أن يصوموا وبين أن يفطروا أو يفتدوا خيرهم
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»