تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ١٥٠
الله تعالى لئلا يشق عليهم لأنهم كانوا لم يتعودوا الصوم ثم نسخ التخيير ونزلت العزيمة بقوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) قال قتادة هي خاصة في حق الشيخ الكبير الذي يطيق الصوم ولكن يشق عليه رخص له في أن يفطر ويفدي ثم نسخ وقال الحسن هذا في المريض الذي به ما يقع عليه اسم المرض وهو مستطيع للصوم خير بين أن يصوم وبين أن يفطر أو يفدي ثم نسخ بقوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وثبتت الرخصة للذين يطيقون وذهب جماعة إلى أن الآية محكمة غير منسوخة ومعناه وعلى الذين كانوا يطيقونه في حال الشباب فعجزوا عنه في حال الكبر فعليهم الفدية بدل الصوم وقرأ ابن عباس (وعلى الذين يطيقونه) بضم الياء وفتح الطاء وتخفيفها وفتح الواو وتشديدها أي يكلفون الصوم وتأويله على الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان الصوم والمريض الذي لا يرجى زوال مرضه فهم يكلفون الصوم ولا يطيقونه فلهم أن يفطروا ويطعموا مكان كل يوم مسكينا وهو قول سعيد بن جبير وجعل الآية محكمة قوله تعالى (فدية طعام مسكين) قرأ أهل المدينة والشام مضافا وكذلك في المائدة (كفارة طعام مسكين) أضاف الفدية إلى الطعام وإن كان واحدا لاختلاف اللفظين كقوله تعالى (وحب الحصيد) وقولهم مسجد الجامع وربيع الأول وقرأ الآخرون (فدية وكفارة) منونة (وطعام) رفع وقرأ (مساكين) بالجمع هنا أهل المدينة والشام وآخرون على التوحيد فمن جمع نصب النون ومن وحد خفض النون ونونها والفدية الجزاء ويجب أن يطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من الطعام بمد النبي صلى الله عليه وسلم وهو رطل وثلث من غالب قوت البلد هذا قول فقهاء الحجاز وقال بعض فقهاء أهل العراق عليه لكل مسكين نصف صاع لكل يوم يفطر وقال بعضهم نصف صاع من قمح أو صاع من غيره وقال بعض الفقهاء ما كان المفطر يتقوته يومه الذي أفطره وقال ابن عباس يعطي كل مسكين عشاءه وسحوره (فمن تطوع خيرا فهو خير له) أي زاد على مسكين واحد فأطعم مكان كل يوم مسكينين فأكثر قاله مجاهد وعطاء وطاوس وقيل من زاد على القدر الواجب عليه فأعطى صاعا وعليه مد فهو خير له (وأن تصوموا خير لكم) فمن ذهب إلى النسخ قال معناه الصوم خير له من الفدية وقيل هذا في الشيخ الكبير لو تكلف الصوم وإن شق عليه فهو خير له من أن يفطر ويفدي (إن كنتم تعلمون) واعلم أنه لا رخصة لمؤمن مكلف في إفطار رمضان إلا لثلاثة أحدهم يجب عليه القضاء والكفارة والثاني عليه القضاء دون الكفارة والثالث عليه الكفارة دون القضاء أما الذي عليه القضاء والكفارة فالحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما فإنهما تفطران وتقضيان وعليهما مع القضاء الفدية وهو قول ابن عمر وابن عباس وبه قال مجاهد وإليه ذهب الشافعي رحمه الل وقال قوم لا فدية عليهما وبه قال الحسن وعطاء وإبراهيم النخعي والزهري وإليه ذهب الأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي وأما الذي عليه القضاء دون الكفارة فالمريض والمسافر والحائض والنفساء وأما الذي عليه الكفارة دون القضاء فالشيخ الكبير والمريض الذي لا يرجى زوال مرضه ثم بين الله تعالى أيام الصيام
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»