مفردات غريب القرآن - الراغب الأصفهانى - الصفحة ٥١٦
" انقطع الوحي وبقيت المبشرات رؤيا المؤمن فالالهام والتسخير والمنام " دل عليه قوله (إلا وحيا) وسماع الكلام معاينة دل عليه قوله (أو من وراء حجاب) وتبليغ جبريل في صورة معينة دل عليه قوله (أو يرسل رسولا فيوحى) وقوله (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلى ولم يوح إليه شئ) فذلك لمن يدعى شيئا من أنواع ما ذكرناه من الوحي أي نوع ادعاه من غير أن حصل له، وقوله (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه) الآية فهذا الوحي هو عام في جميع أنواعه وذلك أن معرفة وحدانية الله تعالى ومعرفة وجوب عبادته ليست مقصورة على الوحي المختص بأولى العزم من الرسل بل يعرف ذلك بالعقل والالهام كما يعرف بالسمع. فإذا القصد من الآية تنبيه أنه من المحال أن يكون رسول لا يعرف وحدانية الله ووجوب عبادته، وقوله تعالى:
(وإذ أوحيت إلى الحواريين) فذلك وحى بوساطة عيسى عليه السلام، وقوله: (وأوحينا إليهم فعل الخيرات) فذلك وحى إلى الأمم بوساطة الأنبياء. ومن الوحي المختص بالنبي عليه الصلاة والسلام: (اتبع ما أوحى إليك من ربك - إن أتبع إلا ما يوحى إلى - قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى) وقوله: (وأوحينا إلى موسى وأخيه) فوحيه إلى موسى بوساطة جبريل، ووحيه تعالى إلى هارون بوساطة جبريل وموسى، وقوله: (إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم) فذلك وحى إليهم بوساطة اللوح والقلم فيما قيل، وقوله: (وأوحى في كل سماء أمرها) فإن كان الوحي إلى أهل السماء فقط فالموحى إليهم محذوف ذكره كأنه قال أوحى إلى الملائكة لان أهل السماء هم الملائكة، ويكون كقوله: (إذ يوحى ربك إلى الملائكة) وإن كان الموحى إليه هي السماوات فذلك تسخير عند من يجعل السماء غير حي، ونطق عند من جعله حيا، وقوله: (بأن ربك أوحى لها) فقريب من الأول وقوله: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه) فحث على التثبت في السماع وعلى ترك الاستعجال في تلقيه وتلقنه.
ودد: الود محبة الشئ وتمنى كونه، ويستعمل في كل واحد من المعنيين على أن التمني يتضمن معنى الود لان التمني هو تشهي حصول ما توده، وقوله: (وجعل بينكم مودة ورحمة) وقوله: (سيجعل لهم الرحمن ودا) فإشارة إلى ما أوقع بينهم من الألفة المذكورة في قوله: (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت) الآية. وفى المودة التي تقتضي المحبة المجردة في قوله: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) وقوله (وهو الغفور الودود - إن ربى رحيم ودود) فالودود يتضمن ما دخل في قوله: (فسوف
(٥١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 511 512 513 514 515 516 517 518 519 520 521 ... » »»
الفهرست