والكرم لا يقال إلا في المحاسن الكبيرة كمن ينفق ما لا في تجهيز جيش في سبيل الله وتحمل حمالة ترقئ دماء قوم، وقوله: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فإنما كان كذلك لان الكرم الافعال المحمودة وأكرمها وأشرفها ما يقصد به وجه الله تعالى، فمن قصد ذلك بمحاسن فعله فهو التقى، فإذا أكرم الناس أتقاهم، وكل شئ شرف في بابه فإنه يوصف بالكرم، قال تعالى: (وأنبتنا فيها من كل زوج كريم - وزروع ومقام كريم - إنه لقرآن كريم - وقل لهما قولا كريما) والإكرام والتكريم أن يوصل إلى الانسان إكرام أي نفع لا يلحقه فيه غضاضة، أو أن يجعل ما يوصل إليه شيئا كريما أي شريفا، قال (وهل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين) وقوله (بل عباد مكرمون) أي جعلهم كراما، قال (كراما كاتبين)، وقال (بأيدي سفرة كرام بررة - وجعلني من المكرمين)، وقوله: (ذو الجلال والاكرام) منطو على المعنيين.
كره: قيل الكره والكره واحد نحو:
الضعف والضعف، وقيل الكره المشقة التي تنال الانسان من خارج فيما يحمل عليه بإكراه، والكره ما يناله من ذاته وهو يعافه، وذلك على ضربين، أحدهما: ما يعاف من حيث الطبع والثاني ما يعاف من حيث العقل أو الشرع، ولهذا يصح أن يقول الانسان في الشئ الواحد إني أريده وأكرهه بمعنى أنى أريده من حيث الطبع وأكرهه من حيث العقل أو الشرع، أو أريده من حيث العقل أو الشرع وأكرهه من حيث الطبع، وقوله: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) أي تكرهونه من حيث الطبع ثم بين ذلك بقوله (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) أنه لا يجب للانسان أن يعتبر كراهيته للشئ أو محبته له حتى يعلم حاله. وكرهت يقال فيهما جميعا إلا أن استعماله في الكره أكثر، قال تعالى:
(ولو كره الكافرون - ولو كره المشركون - وإن فريقا من المؤمنين لكارهون)، وقوله: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) تنبيه أن أكل لحم الأخ شئ قد جبلت النفس على كراهتها له وإن تحراه الانسان، وقوله: (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) وقرئ كرها، والا كراه يقال في حمل الانسان على ما يكرهه وقوله:
(ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) فنهى عن حملهن على ما فيه كره وكره، وقوله (لا إكراه في الدين) فقد قيل كان ذلك في ابتداء الاسلام فإنه كان يعرض على الانسان الاسلام فإن أجاب وإلا ترك. والثاني: أن ذلك في أهل الكتاب فإنهم إن أرادوا الجزية والتزموا الشرائط تركوا. والثالث: أنه لا حكم لمن أكره على