إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) أي إن لم تبلغ هذا الامر فأنت في حكم من لم يبلغ شيئا بوجه، والذي من جهة الفاعل يقال له مفعول ومنفعل وقد فصل بعضهم بين المفعول والمنفعل فقال: المفعول يقال إذا اعتبر بفعل الفاعل، والمنفعل إذا اعتبر قبول الفعل في نفسه، قال: فالمفعول أعم من المنفعل لان المنفعل يقال لما لا يقصد الفاعل إلى إيجاده وإن تولد منه كحمرة اللون من خجل يعتري من رؤية إنسان، والطرب الحاصل عن الغناء، وتحرك العاشق لرؤية معشوقه وقيل لكل فعل انفعال إلا للابداع الذي هو من الله تعالى فذلك هو إيجاد عن عدم لا في عرض وفى جوهر بل ذلك هو إيجاد الجوهر.
فقد: الفقد عدم الشئ بعد وجوده فهو أخص من العدم لان العدم يقال فيه وفيما لم يوجد بعد، قال (ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك) والتفقد التعهد لكن حقيقة التفقد تعرف فقدان الشئ والتعهد تعرف العهد المتقدم، قال: (وتفقد الطير) والفاقد المرأة التي تفقد ولدها أو بعلها.
فقر: الفقر يستعمل على أربعة أوجه:
الأول وجود الحاجة الضرورية وذلك عام للانسان ما دام في دار الدنيا بل عام للموجودات كلها، وعلى هذا قوله: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) وإلى هذا الفقر أشار بقوله في وصف الانسان (وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام) والثاني: عدم المقتنيات وهو المذكور في قوله: (للفقراء الذين أحصروا) إلى قوله:
(من التعفف - إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) وقوله. (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) الثالث: فقر النفس وهو الشره المعنى بقوله عليه الصلاة والسلام: " كاد الفقر أن يكون كفرا " وهو المقابل بقوله: " الغنى غنى النفس " والمعنى بقولهم: من عدم القناعة لم يفده المال غنى. الرابع: الفقر إلى الله المشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام: " اللهم أغنني بالافتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك " وإياه عنى بقوله تعالى: (رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير) وبهذا ألم الشاعر فقال:
ويعجبني فقري إليك ولم يكن * ليعجبني لولا محبتك الفقر ويقال افتقر فهو مفتقر وفقير، ولا يكاد يقال فقر وإن كان القياس يقتضيه. وأصل الفقير هو المكسور الفقار، يقال فقرته فاقرة أي داهية تكسر الفقار وأفقرك الصيد فارمه أي أمكنك من فقاره، وقيل هو من الفقرة أي الحفرة، ومنه قيل لكل حفيرة يجتمع فيها الماء فقير، وفقرت للفسيل حفرت له حفيرة غرسته فيها، قال الشاعر:
* ما ليلة الفقير إلا شيطان *