* (وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين (29) فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (30) فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف) * * فكأنه مريد لقتله مجازا وإن لم يكن مريدا حقيقة، وقيل معناه: إني أريد أن تبوء بعقاب قتلي، وعقاب قتلك؛ فتكون إرادة على موافقة حكم الله - تعالى - فيه، ولا تكون إرادة للقتل بل لموجب القتل من الإثم والعقاب، وفيه قول ثالث: أن معناه: إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك؛ فكأنه كان يمنعه عن القتل، وأراد ترك القتل؛ كيلا يبوء بالإثم.
قوله - تعالى -: * (فطوعت له نفسه قتل أخيه) قال مجاهد: فشجعت له نفسه، وقال قتادة: زينت له نفسه، وقيل: سهلت، وانقادت له نفسه، ومنه يقال: ظبية أطاعت لها أصول الشجرة، أي: انقادت لأكلها.
(فقتله فأصبح من الخاسرين) أي: خسر بقتله الدنيا والآخرة، أما الدنيا: لأنه أسخط والديه، وبقي بلا أخ، وأما الآخرة: لأنه أسخط ربه، واستوجب النار.
والقصة في قتله إياه: أنه لما أراد قتله لم يعرف كيف يقتله، فجاء إبليس بحجر، وقال: اشدخ به رأسه، ففي رواية أنه رماه بذلك الحجر، وهو مستسلم له؛ فشدخ رأسه، وفي رواية أخرى: اغتاله في النوم، وشدخ رأسه؛ فقتله، وشربت الأرض دمه فلما جاء إلى آدم، قال له: أين هابيل؟ فقال: أجعلتني رقيبا عليه، ما أدري! قال له آدم: إن الأرض تصرخ بدمه إلي، ثم لعن الأرض التي شربت دمه، فلا تشرب الأرض بعد ذلك دما إلى يوم القيامة، وبكى آدم عليه كثيرا، وأنشأ يقول:
(تغيرت البلاد ومن عليها * ووجه الأرض مغبر قبيح) (تغير كل ذي لون وطعم * وقل بشاشة الوجه المليح) وهذا أول قتل جرى في بني آدم، وفي الخبر ' ما من رجل يقتل إلى يوم القيامة؛ إلا وعلى ابن آدم كفل منه؛ فإنه أول من سن القتل '.