تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٩ - الصفحة ٢٨٥
فلما كفر قال إني بريء منك) *) الآية قال: كان راهب في الفترة يقال له برصيصا وكان قد تعبد في صومعة له سبعين سنة لم يعص الله فيها طرفة عين وأن إبليس أعياه في أمره الحيل، فلم يستطيع له شيء فجمع ذات يوم مردة الشياطين فقال: ألا أحد منكم يكفيني أمر برصيصا، فقال الأبيض، وهو صاحب الأنبياء وهو الذي يتصدى للنبي صلى الله عليه وسلم وجاءه في صورة جبرائيل ليوسوس إليه على وجه الوحي فجاءه جبرائيل حتى دخل بينهما فدفعه بيده دفعة هينة فوقع من دفعة جبرائيل إلى أقصى أرض الهند، فذلك قوله سبحانه: " * (ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع) *).
فقال الأبيض لإبليس: أنا أكفيك فانطلق فتزين بزينة الرهبان وحلق وسط رأسه ثم مضى حتى أتى صومعة برصيصا فناداه فلم يجبه برصيصا وكان لا ينفتل عن صلاته إلا في كل عشرة أيام ولا يفطر إلا في عشرة أيام مرة، فكان يواصل الأيام العشرة والعشرين والأكثر، فلما رأى الأبيض أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعته فلما أنفتر برصيصا اطلع من صومعته ورأى الأبيض قائما منتصبا يصلي في هيئة حسنة من هيئة الرهبان فلما رأى ذلك من حاله ندم في نفسه حين لها عنه فلم يجبه، فقال له: إنك ناديتني وكنت مشتغلا عنك فحاجتك؟
قال: حاجتي أني أحببت أن أكون معك فأنادبك وأقتبس من علمك ونجتمع على العبادة فتدعو لي وأدعو لك قال: برصيصا: إني لفي شغل عنك فإن كنت مؤمنا فإن الله سبحانه سيجعل لك فيما أدعو للمؤمنين والمؤمنات نصيبا إن استجاب لي، ثم أقبل على صلاته وترك الأبيض، وأقبل الأبيض يصلي فلم يلتفت إليه برصيصا أربعين يوما بعدها، فلما انفتل رآه قائما يصلي، فلما رآى برصيصا شدة اجتهاده وكثرة تضرعه وابتهاله إلى الله سبحانه كلمه وقال له: حاجتك؟
قال: حاجتي أن تأذن لي فارتفع إليك، فأذن له فارتفع إليه في صومعته فأقام الأبيض معه حولا يتعبد لا يفطر إلا في كل أربعين يوما ولا ينفتل عن صلاته إلا في كل أربعين يوما مرة وربما مد إلى الثمانين، فلما رأى برصيصا أجتهاده تفاطرت إليه نفسه فأعجبه شأن الأبيض، فلما حال الحول قال الأبيض لبرصيصا: إني منطلق فأن لي صاحبا غيرك ظننت أنك أشد اجتهادا مما أرى، وكان يبلغنا عنك غير الذي رأيت، قال: فدخل على برصيصا من ذلك أمر شديد وكره مفارفته للذي رأى من شدة اجتهاده، فلما ودعه قال له الأبيض: إن عندي دعوات أعلمكها أياك تدعو بهن فهي خير مما أنت فيه، يشفي الله بها السقيم، ويعافي بها المبتلى والمجنون، قال برصيصا: إني أكره هذه المنزلة، لأن لي في نفسي شغلا وإني أخاف إن علم بهذا الناس شغلوني عن العبادة، فلم يزل به الأبيض حتى علمه، ثم انطلق حتى أتى إبليس فقال له: قد والله أهلكت
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»