أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم فكانت الجارية تأخذ الماء من الآنية بإحدى يديها ثم تجعله على اليد الأخرى ثم تضرب به على الوجه، والغلام كان يأخذه من الآنية يضرب به وجهه، وكانت الجارية تصب على باطن ساعدها، والغلام على ظهر الساعد، وكانت الجارية تصب الماء صبا، وكان الغلام يحدر الماء على يده حدرا، فميز بينهن بذلك ثم رد سليمان (عليه السلام) الهدية.
" * (وقال أتمدونني بمال) *) اختلف القراء فيه فقرأ حمزة ويعقوب أتمدوني بنون واحدة مشددة، غيرهما بنونين خفيفتين وحذف الياء، ابن عامر وعاصم والكسائي وخلف، الباقون بإثباته.
" * (فما آتاني الله خير مما آتايكم بل أنتم بهديتكم تفرحون) *) لأنكم أهل مفاخرة الدنيا والمكابرة بها ولا تعرفون غير ذلك، وليست الدنيا من حاجتي لأن الله سبحانه قد مكنني منها وأعطاني فيها ما لم يعط أحدا ومع ذاك أكرمني بالدين والنبوة والحكمة، ثم قال للمنذر بن عمرو آمر الوفد " * (ارجع إليهم) *) بالهدية " * (فلنأتينهم بجنود لا قبل) *) لا طاقة " * (لهم بها ولنخرجنهم منها) *) أي من أرضها وملكها " * (أذلة وهم صاغرون) *) ذليلون إن لم يأتوني مسلمين.
قال وهب وغيره من أهل الكتب: لما رجعت رسل بلقيس إليها من عند سليمان (عليه السلام) قالت: قد والله عرفت ما هذا بملك، وما لنا به طاقة، وما نصنع بمكاثرته شيئا، فبعثت إلى سليمان: إني قادمة عليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك، ثم أمرت بعرشها فجعل في آخر سبعة أبيات بعضها في بعض، في آخر قصر من سبع قصور لها، ثم أغلقت دونه الأبواب ووكلت به حراسا يحفظونه ثم قالت لمن خلفت على سلطانها: احتفظ بما قبلك وسرير ملكي، فلا يخلص إليه أحد ولا يزينه حتى آتيك، ثم أمرت مناديا فنادى في أهل مملكتها يؤذنهم بالرحيل، وشخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن تحت يدي كل قيل ألوف كثيرة.
قال ابن عباس: وكان سليمان رجلا مهيبا لا يبتدئ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه، فخرج يوما فجلس على سرير ملكه فرأى رهجا قريبا منه فقال: ما هذه؟.
قالوا: بلقيس يا رسول الله.
قال: (وقد نزلت منا بهذا المكان؟) قال ابن عباس: وكان ما بين الكوفة والحيرة قدر فرسخ فأقبل حينئذ سليمان على جنوده فقال " * (أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين) *) أي مؤمنين. وقال ابن عباس: طائعين. واختلف أهل العلم في السبب الذي لأجله أمر سليمان (عليه السلام) بإحضار العرش فقال أكثرهم: لأن سليمان (عليه السلام) علم أنها إن أسلمت حرم عليه ما لها فأراد أن يأخذ سريرها قبل أن يحرم عليه أخذه بإسلامها