تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٧ - الصفحة ٢٠٨
فأمر سليمان (عليه السلام) الجن أن يضربوا لبنات الذهب والفضة ففعلوا، ثم أمرهم أن يبسطوا من موضعه الذي هو فيه إلى تسع فراسخ ميدانا واحدا بلبنات الذهب والفضة، وأن يجعلوا حول الميدان حائطا شرفها من الذهب والفضة ففعلوا، ثم قال: أي الدواب أحسن مما رأيتم في البر والبحر؟ قالوا: يا نبي الله إنا رأينا دواب في بحر كذا وكذا منمرة منقطعة مختلفة ألوانها، لها أجنحة وأعراف ونواصي. قال: علي بها الساعة، فأتوا بها، فقال: شدوها عن يمين الميدان وعن يساره على لبنات الذهب والفضة، وألقوا لها علوفها.
ثم قال للجن: علي بأولادكم، فاجتمع خلق كثير فأقامهم على يمين الميدان ويساره، ثم قعد سليمان (عليه السلام) في مجلسه على سريره ووضع له أربعون ألف كرسي عن يمينه ومثلها عن يساره، وأمر الشياطين أن يصطفوا صفوفا فراسخ، وأمر الإنس فاصطفوا فراسخ، وأمر الوحش والسباع والهوام والطير فاصطفوا فراسخ عن يمينه ويساره.
فلما رأى القوم الميدان ونظروا إلى ملك سليمان (عليه السلام) ورأوا الدواب التي لم تر أعينهم مثلها تروث على لبنات الذهب والفضة، تقاصرت إليهم أنفسهم وبقوا بما معهم من الهدايا.
وفي بعض الروايات أن سليمان (عليه السلام) لما أمر بفرش الميدان بلبنات الذهب والفضة أمرهم أن يتركوا على طريقهم موضعا على قدر موضع اللبنات التي معهم، فلما رأى الرسل موضع اللبنات خاليا وكل الأرض مفروشة خافوا أن يتهموا بذلك فطرحوا ما معهم في ذلك المكان.
قالوا: ثم جاؤوا، فلما رأوا الشياطين نظروا إلى موضع عجيب ففزعوا فقال لهم الشياطين: جوزوا فلا بأس عليكم، فكانوا يمرون على كردوس كردوس من الجن والإنس والطير والسباع والوحش حتى وقفوا بين يدي سليمان (عليه السلام) فنظر إليهم سليمان نظرا حسنا بوجه طلق وقال: ما وراءكم؟ فأخبره رئيس القوم بما جاؤوا له وأعطاه كتاب الملكة فنظر فيه فقال: أين الحقة فأتى به فحركها، وجاءه جبرئيل (عليه السلام) فأخبره بما في الحقة فقال: إن فيها درة يتيمة غير مثقوبة وجزعة مثقوبة معوجة الثقب، فقال الرسول: صدقت فاثقب الدرة وأدخل الخيط في الخرزة فقال سليمان (عليه السلام): من لي بثقبها؟ فسأل سليمان الإنس فلم يكن عندهم علم ذلك، ثم سأل الجان فلم يكن عندهم علم ذلك، ثم سأل الشياطين فقالوا: ترسل إلى الأرضة فجاءت الأرضة وأخذت شعرة في فيها فدخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر فقال لها سليمان (عليه السلام): حاجتك؟ فقالت: تصير رزقي في الشجرة فقال: لك ذاك، ثم قال: من لهذه الخرزة يسلكها؟ الخيط فقالت دودة بيضاء: أنا لها يا رسول الله، فأخذت الدودة الخيط في فيها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر، فقال سليمان: حاجتك؟ قالت: تجعل رزقي في الفواكه قال: لك ذاك، ثم ميز بين الجواري والغلمان بأن
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»