تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٧ - الصفحة ٢٠٧
" * (وإني مرسلة إليهم بهدية) *) وذلك أن بلقيس كانت لبيبة قد سيست وساست، فقالت للملأ من قومها: إني مرسلة إلى سليمان وقومه بهدية أصانعه بذلك عن ملكي واختبره بها أملك هو؟ فإن يكن ملكا قبل الهدية وانصرف، وإن يكن نبيا لم يقبل الهدية ولم يرضه منا إلا أن نتبعه على دينه، فأهدت إليه وصيفا ووصائف.
قال ابن عباس: ألبستهم لباسا واحدا حتى لا يعرف ذكر من أنثى.
وقال مجاهد: ألبس الغلمان لباس الجواري وألبس الجواري لبسة الغلمان، واختلفوا في عددهم فقال مقاتل: مائة وصيف ومائة وصيفة. وقال مجاهد: مائتي غلام ومائتي جارية. وقال الكلبي: عشرة غلمان وعشر جواري. وقال وهب وغيره: خمسمائة غلام وخمسمائة جارية.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدثنا ابن حنش قال: حدثنا ابن فنجويه قال: حدثنا سلمة قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ثابت البناني في قوله " * (وإني مرسلة إليهم بهدية) *) قال: أهدت له صفائح ذهب في أوعية الديباج، فلما بلغ ذلك سليمان أمر الجن فموهوا له الآجر بالذهب ثم أمر به فألقي في الطريق، فلما جاؤوا رأوه ملقى في الطريق في كل مكان، قالوا: قد جئنا نحمل شيئا نراه ههنا ملقى ما يلتفت إليه، فصغر في أعينهم ما جاؤوا به، وقيل: كانت أربع لبنات من ذهب. وقال وهب وغيره من أهل الكتب: عمدت بلقيس إلى خمسمائة جارية وخمسمائة غلام فألبست الجواري لباس الغلمان، الأقبية والمناطق، وألبست الغلمان لباس الجواري، وجعلت في سواعدهم أساور من ذهب، وفي أعناقهم أطواقا من ذهب، وفي آذانهم قروطا وشنوفا مرصعات بأنواع الجواهر، وحملت الجواري على خمسمائة رمكة والغلمان على خمسمائة برذون، على كل فرس لجام من ذهب مرصع بالجواهر وغواشيها من الديباج الملونة، وبعثت إليه أيضا خمسمائة لبنة من ذهب وخمسمائة لبنة من فضة وتاجا مكللا بالدر والياقوت المرتفع وأرسلت إليه أيضا المسك والعنبر وعود الالنجوج، وعمدت إلى حقة فجعلت فيها درة يتيمة غير مثقوبة وخرزة جزعية مثقوبة معرجة الثقب، ودعت رجلا من أشراف قومها يقال له المنذر بن عمرو وضمت إليه رجالا من قومها أصحاب رأي وعقل وكتبت معه كتابا نسخة الهدية وقالت: إن كنت نبيا فميز بين الوصفاء والوصيفات، وأخبر بما في الحقة قبل أن تفتحها وأثقب الدرة ثقبا مستويا وأدخل خيطا.
الخرزة وأمرت بلقيس الغلمان فقالت: إذا كلمكم سليمان فكلموه بكلام فيه تأنيث وتخنيث شبه كلام النساء، وأمرت الجواري أن يكلمنه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال، ثم قالت للرسول: انظر إلى الرجل إذا دخلت عليه، فإن نظر إليك نظر غضب فاعلم أنه ملك ولا يهولنك منظره فأنا أعز منه، وإن رأيت الرجل بشا لطيفا فاعلم أنه نبي مرسل فتفهم قوله ورد الجواب.
فانطلق الرسول بالهدايا وأقبل الهدهد مسرعا إلى سليمان (عليه السلام) فأخبره الخبر كله،
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»