تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٤ - الصفحة ٢٧٦
لن تراني بالسؤال والدعاء وإنما تراني بالنوال والعطاء إنه لو أعطاه إياه بسؤاله لكانت الرؤية مكافأة السؤال، ويجوز أن يكون فعله مكافأة فعل عبده ولا يجوز أن يكون هو مكافأة فعل عبده.
وقيل: معناه لن تراني بالعين التي رأيت بها عدوي وذلك أن الشيطان تراءى له فوسوس إليه، فقال الله تعالى: يا موسى أما تعلم أن رؤية الخبيث والله لا يجتمعان في حال واحد ومكان واحد وزمان واحد.
وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت علي بن مهدي الطبري يقول: لو كان سؤال موسى مستحيلا لما أقدم عليه نبي الله موسى (عليه السلام) مع علمه ومعرفته بالله عن اسمه كما لم تجز أن يسأله لنفسه صاحبة ولا ولدا.
وقال الله عز وجل: " * (ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) *) واستقراره بكونه وثباته.
قال المتكلمون من أهل الشام: لما علق الله (الرؤية باستقراره) دل على جواز الرؤية لأن استقراره غير محال فدل على أن ما (علق) عليه من كون الرؤية غير محال أيضا ألا ترى أن دخول الكفار الجنة لما كان مستحيلا علقه بشيء مستحيل. وهو قوله " * (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) *).
وقال أهل الحكمة والإشارة: إن الكليم لما أراد الخروج إلى الميقات جعل بين قومه وبين ربه واسطة يقول لأخيه هارون: " * (اخلفني في قومي) *) فلما سأل الرؤية جعل الله تعالى بينه وبينها واسطة وهو الجبل لقوله تعالى " * (لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل) *) فقال: وكأنه يقول إن لم أصلح لخلافتك دون أخيك فأنت أيضا لأنه لم ترونني دون استقرار الجبل " * (فلما تجلى ربه للجبل) *).
قال وهب: لما سأل موسى الرؤية أرسل إليه الضباب والصواعق والظلمة والرعد والبرق فأحاطت بالجبل الذي عليه موسى فأمر الله ملائكة السماوات أن يعترضوا على موسى أربعة فراسخ من كل ناحية فمرت به ملائكة سماء الدنيا كثير، إن البقر تتبع أفواههم بالتقديس والتسبيح بأصوات عظيمة كأصوات الرعد الشديد، ثم أمر الله ملائكة سماء الثانية أن اهبطوا على موسى فهبطوا عليه مثل الأسد لهم لجب بالتسبيح والتقديس ففزع العبد الضعيف ابن عمران مما رأى وسمع واقشعر كل شعرة في رأسه وجسده.
ثم قال: ندمت على مسألتي فهل ينجيني من مكاني الذي أنا فيه؟
فقال له حبر الملائكة ورأسهم: يا موسى اصبر لما سألت فقليل من كثير ما رأيت ثم
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»