روى القاسم بن سلام عن جرير عن مغيرة عن إبراهيم، قال: كان عبد الله يذكر الملائكة في القرآن، قال أبو عبيدة: إنمايرى (أن) الله اختار ذلك خلافا على المشركين في قولهم: الملائكة بنات الله فأراد بالتذكير هاهنا إكذابهم.
وروى الشعبي أن ابن مسعود قال: إذا اختلفتم في الياء والتاء فاجعلوها ياءا وذكروا القرآن.
وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: إذا كان الحرف في القرآن تاء وياء فأجعلوها ياء. وأراد بالملائكة ههنا: جبريل وحده؛ وذلك أن زكريا الحبر الكبير الذي تعهد بالقربان، وبفتح باب المذبح فلا يدخلون حتى يأذن لهم في الدخول، فبينا هو قائم في المسجد عند المذبح يصلي والناس ينتظرونه أن يأذن لهم في الدخول، إذ هو برجل شاب عليه ثياب بيض ففزع منه فناداه وهو جبريل: يا زكريا " * (إن الله يبشرك بيحيى) *) فذلك قوله: " * (فنادته الملائكة) *): يعني جبريل وحده نظيره قوله في هذه السورة " * (وإذ قالت الملائكة يا مريم) *): يعني جبريل وحده، وقوله في النحل: " * (ينزل الملائكة) *): يعني جبريل ما يروح بالوحي؛ لأن الرسول إلى جميع الأنبياء جبريل (عليه السلام)، يأت عليه قوله ابن مسعود، فناداه جبريل " * (وهو قائم يصلي في المحراب) *): وهذا جائز في العربية أن يخبر عن الواحد بلفظ الجمع كقولهم: ركب فلان في السفن، وإنما ركب سفينة واحدة، وخرج على بغال البريد، وإنما على بغل واحد، وسمعت هذا الخبر من الناس، وإنما سمع من واحد نظير قوله تعالى: " * (الذين قال لهم الناس) *): يعني نعيم بن مسعود. " * (إن الناس قد جمعوا لكم) *): يعني أبا سفيان ونحوها كثرة.
وقال المفضل بن سلمة: إذا كان القائل رئيسا فيجوز الإخبار عنه بالجمع؛ لاجتماع أصحابه معه، فلما كان جبريل رئيس الملائكة وكل ما يبعث إلا ومعه جمع منهم فهي على هذا.
" * (وهو قائم يصلي في المحراب) *): يعني في المسجد، نظيره قوله: " * (فخرج على قومه من المحراب) *): أي المسجد، وقوله: " * (إذ تسوروا المحراب) *): أي المسجد، وهو مفعال من الحرب، قيل: سمي بهذا؛ لأنه تحارب فيه الشيطان، كما قيل: مضمار للميدان الذي تضمر فيه الخيل، وأمال ابن عامر المحراب في جميع القرآن، وفخمه الآخرون.