تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٣ - الصفحة ٥٧
فقال له الأحبار: لا تفعل ذلك؛ فإنها لو تركت وحق الناس بها لتركت لأمها التي ولدتها، ولكنا نقرع عليها فتكون عند من خرج سهمه، فانطلقوا وكانوا تسعة وعشرين رجلا إلى نهر جاري.
قال السدي: هو نهر الأردن، فألقوا أقلامهم في الماء، فارتفع قلم زكريا فوق الماء وانحدرت أقلامهم (ورسبت) في النهر، قاله ابن إسحاق وجماعة.
وقال السدي وجماعة: بل ثبت قلم زكريا وقام فوق الماء كأنه في طين وجرت أقلامهم مع جريان الماء (فذهب بها الماء)، فسهمهم وقرعهم زكريا، وكان رأس الأحبار ونبيهم فذلك قوله تعالى: " * (وكفلها زكريا) *) ضمها إلى نفسه وقام بأمرها.
قال ابن إسحاق: فلما كفلها زكريا ضمها إلى خالتها أم يحيى واسترضع لها، حتى إذا نشأت وبلغت مبالغ النساء بنى لها محرابا: أي غرفة في المسجد، وجعل بابه إلى وسطها، لا يرقى إليها إلا بسلم مثل باب الكعبة، فلا يصعد إليها غيره، وكان يأتيها بطعامها وشرابها ودهنها كل يوم.
" * (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا) *): يعني وجد زكريا عندها فاكهة في غير أوانها، فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف غضا طريا. " * (قال يا مريم أنى لك هذا) *) فإنها كانت إذا رزقها الله شيئا وسألت عنه " * (قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) *).
(أخبرنا عبد الله بن حامد بإسناده عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أياما لم يطعم طعاما، حتى شق ذلك عليه فطاف في منازل أزواجه، فلم يصب في بيت أحد منهن شيئا، فأتى فاطمة رضي الله عنها فقال: (يا بنية هل عندك شيء آكل فإني جائع؟) فقالت: لا والله بأبي أنت وأمي، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندها، بعثت إليها جارة لها برغيفين وبضعة لحم، فأخذته منها ووضعته في جفنة وغطت عليه وقالت: لأوثرن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعا محتاجين إلى شبعة من طعام، فبعثت حسنا وحسينا إلى جدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها، فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله قد أتانا الله بشيء فخبأته لك، قال: (فهلمي به)، فأتي به فكشف عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما، فلما نظرت إليه بهتت وعرفت أنها من بركة الله، فحمدت الله تعالى وصلت على نبيه،
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»